كتب منير الربيع في "المدن": لم تحمل زيارة المستشار الرئاسي الفرنسي، باتريك دوريل، إلى لبنان أي جديد، سوى التأكيد على أنه أصبح مكلّفاً بالملف اللبناني. ومعظم اللقاءات التي عقدها المستشار كانت للاستماع إلى آراء المسؤولين اللبنانيين، وتكوين وجهة نظر حول كيفية إنقاذ المبادرة الفرنسية.
تهافت المبادرة
أيقن الفرنسيون أن مبادرتهم قد تشظت وأصبحت بحكم المنتهية. وهناك قناعة بأن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد للمبادرة الفرنسية أن تنجح، منذ العقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس إلى العقوبات على جبران باسيل وما بينهما من ضغوط. وكرر دوريل كلام المسؤولين الفرنسيين الآخرين حول وجوب تشكيل الحكومة سريعاً. ولا تمانع باريس بعقد تسوية جديدة بين عون والحريري. لكن ذلك لا يزال بعيد المنال، في ظل تمسك باسيل بمبدأ اختياره الوزراء، ورفض الحريري القاطع.
ولم تعد المبادرة الفرنسية تحظى بأي دعم أو زخم خارجي، وأفرغت من مضمونها. لكن الأكيد أن باريس لن تتخلى عن دورها في لبنان. والرسالة التي حملها المستشار الرئاسي تركزت على مبدأ تشكيل الحكومة، للتمكن من عقد مؤتمر الدعم الدولي. وفي حال عدم تشكيلها لن تتجاوز المساعدات الإطار الإنساني، ولا مجال للحديث عن دعم اقتصادي يحتاجه لبنان.
تراكم الأزمات والضغوط
والمشكلة الأكبر في المبادرة الفرنسية أنها تغوض في تفاصيل التفاصيل حول شكل الحكومة والحصص، متجنبة السؤال الأساسي: ما الذي ستفعله هذه الحكومة، لا سيما بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، في ظل التضارب الكبير في وجهات النظر بين أفرقائها؟
فشروط الصندوق الملزمة والتي لا يوافق عليها حزب الله، ترتبط بشروط سياسية وعسكرية أخرى يفرضها الأميركيون في مسألة ترسيم الحدود.
يشير هذا الوضع إلى أن الأزمة طويلة: في الأسابيع المقبلة ستزداد الأوضاع الاقتصادية سوءاً. وملامح هذا السوء ستبدأ ظهورها الشهر المقبل، مع سقوط الاحتياطي المالي لدى مصرف لبنان إلى ما دون الخطّ الأحمر. لكن هذه المشكلة لا تعني شيئاً للقوى السياسية الغارقة في صراعاتها على الحصص. وهذا يجعل مسار تشكيل الحكومة طويلاً، فيما تتزاحم المشكلات والمآزق والضغوط والتوترات. وعلى رأسها مفاوضات ترسيم الحدود، التي لم تحقق أي تقدم، فيما يرفع الجانب اللبناني سقفه كثيراً، لتقابله إسرائيل بالتصعيد، وتبقى المفاوضات بلا نتائج.
وهكذا تتزايد الضغوط السياسية الدولية، الأميركية والأممية. وينتظر تعرض لبنان إلى مزيد من الضغط الأميركي ومن الأمم المتحدة، لحمله على العودة إلى أساس اتفاق الإطار والتفاوض على مساحة 860 كلم، بدلاً من العودة إلى خرائط العام 1923 والمطالبة بمساحة 2290 كلم. وفي هذا السياق جاءت زيارة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش إلى بعبدا. ويتوقع تحرك أميركي ضاغط في الاتجاه نفسه أيضاً.
إسرائيل والعقوبات
لذا يعود التخوف من شبح العمليات الأمنية إلى الواجهة. والجانب الأميركي الذي يستخدم سلاح العقوبات، قد يمنح إسرائيل غطاءً لتحسين وضعها التفاوضي. وربما تقدم على ضربة أمنية في مكان ما، لتعيد لبنان إلى أساس اتفاق الإطار.
وهذا يرفع منسوب المخاطر والتوتر. بل ولن يتجنب لبنان حزمة جديدة من العقوبات التي ستطال شخصيات غير محسوبة على حزب الله ولا متحالفة معه. وستكون هذه العقوبات صادرة وفق قانون ماغنيتسكي.