لم يكن البيان الأخير للمكتب السياسي لحركة "أمل" عادياً، إذ حمل بين سطوره إشاراتٍ واضحةٍ حول "استياء" رئيس مجلس النواب نبيه بري من التأخير في تأليف الحكومة، تجلّت بوضوح في دعوته للابتعاد عمّا وصفها بـ "الحسابات الضيّقة".
سريعاً، فُسّرت "العبارة-اللغز" على أنّها "رسالة مباشرة" إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، "المُتَّهَم" من قبل الكثير من الأوساط بأنّه "يرهن" الحكومة بلقاءٍ من هنا، وشرطٍ من هناك.
وإذا كان باسيل جدّد في حديثه التلفزيونيّ مساء أمس، والذي شكا من تعرّضه لـ "التحوير والتحريف"، "التنصّل" من أيّ شرطٍ قدّمه حكوميّاً، فإنّ هناك من لا يزال يصرّ على أنّ الحكومة "مكبّلة" بشروط الرجل، التي ارتفع سقفها بعد العقوبات الأميركية عليه.
"كرمى لعيون الصهر"؟!
لعلّ من قرأوا في "الحسابات الضيّقة" التي أوردها بيان "أمل"، "لطشة" إلى عون وباسيل، انطلقوا من "الكيمياء المفقودة" بين الجانبين، ومن العلاقة "غير السوية"، والتي لم تنجح كلّ الوساطات، في ترميمها وتحصينها، وإن كان "مستوى" التوتّر على خطّها يصعد ويهبط كالبورصة، أو ربما كسعر صرف الدولار في هذه الأيام.
ويقول هؤلاء إنّ بري، "المتمسّك" بتسمية الرئيس سعد الحريري حتى النهاية، "مستاء" من عون وباسيل لأكثر من سبب، أولها أنّهما مصرّان على وضع "العصيّ في دواليب" الحريري، بعد اعتراضهما على تسميته، وامتعاضهما من القفز فوق رأيهما، وثانيها أنّهما، بخلاف "التعفّف" الظاهر الذي يحرصان على تظهيره، يفرضان الشروط والشروط المضادة، ولو من بوابة شعار "وحدة المعايير" الفضفاض وحمّال الأوجُه، وكأنّهما يكرّسان مقولة عون الشهيرة "لا حكومة... كرمى لعيون الصهر".
وهناك من يذهب أبعد من ذلك بالقول إنّ بري "مستاء" أيضاً من "توظيف" العقوبات على باسيل في الملفّ الحكوميّ، بشكلٍ مُبالَغٍ به، علماً أنّه ليس الأول الذي تُفرَض عليه عقوبات ولن يكون الأخير على الأرجح، وقد سبقه المعاون السياسيّ لبري الوزير علي حسن خليل، من دون أن تُترجَم العقوبات على الأخير "رفعاً للأسقف"، وصولاً إلى حدّ "اشتراط" توزير الرجل رداً على العقوبات، كما أراد بعض المحسوبين على باسيل.
باسيل ليس المقصود!
من أسباب "استياء" بري من الدرك الذي وصل إليه الملفّ الحكوميّ أيضاً، أنّ هناك من "تعمّد" تصوير "العقدة الشيعية" التي رافقت تكليف السفير مصطفى أديب سابقاً، وكأنّها "عقدة العقد" ولا وجود لغيرها، ليبدأ هذا البعض بـ "ابتكار"، بل "افتعال" العُقد، من كلّ حدبٍ وصوب، بمجرّد تكليف الحريري، والحديث عن "تفاهم" على حلّ عقدة "الثنائيّ".
لكن، رغم كلّ ما سبق، يصرّ المحسوبون على بري على أنّ "الاستياء" الذي عبّر عنه المكتب السياسي لـ "أمل" في بيانه الأخير كان موجَّهاً إلى جميع الأفرقاء المعنيّين بالعرقلة الحكوميّة، مستعيرين عبارة "الثورة" الشهيرة، "كلّن يعني كلّن"، للدلالة على ذلك، بعيداً عن كلّ الاستنتاجات والإسقاطات التي صوّرت الأمر، وكأنّه "استهدافٌ" لطرفٍ محدَّد، من دون أن يعني ذلك "تبرئة" هذا الطرف بأيّ شكلٍ من الأشكال.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ بري الذي سبق أن أعلن "إدارة محرّكاته" في مرحلةٍ ما، قبل أن "يطفئها" مجدّداً، بعدما عاين بأمّ العين عمق المأزق الذي تسيطر عليه "الشخصانية"، أراد تسجيل "موقف" من "الحسابات الضيقة" التي تسيطر على الملفّ الحكوميّ، وكأنّ بعض الأفرقاء يبحثون عن "مجد شخصي"، ولو جاء على "أطلال" لبنان الكبير، الذي تنذر "مصائبه" المتفاقمة بقرب إعلان "دفنه" دوليّاً، وقد صدرت أكثر من إشارة سلبية في هذا الاتّجاه.
قد لا يكون برّي "الحَكَم المناسب"، برأي البعض، لانتقاد غيره حكوميّاً، بعدما أدلى بدلوه، وأصرّ على أنّ "لا حكومة" لا تلبّي شروطه، من رفض المداورة على "المال"، إلى تسمية الوزراء الشيعة وغيرها. لكن، رغم ذلك، قد يكون حديثه عن "الحسابات الضيّقة" صائباً، إذ إنّ الأداء المتّسم بـ "الميوعة والغنج"، والذي لا يزال يسيطر على الشأن الحكوميّ، مستمرٌّ على حاله، بل "يتفاقم" أكثر، وكأنّ الحكومة "ترف" يمكن الاستغناء عنه!.