حتى الآن، مرّت 3 أسابيع تقريباً على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة دون أي تقدمٍ يُذكر، لا بل إن الأجواء تبدو غير مريحة وتُنذر بفشل التشكيل رغم مجيء المندوب الفرنسي وتهديده السلطات اللبنانية.
ونُقل عن الموفد الفرنسي باتريك دوريل كلامٌ ملفت وهو "نوع من النعي للمبادرة الفرنسية"، إذ قال إنه لا تمديد فرنسياً للوقت واللعبة إنتهت وفرصة سيدر إنتهت وصندوق النقد الدولي سوف ينتهي حتماً إن بقيت الأمور هكذا، ولكن الأخطر أن المساعدات الإنسانية لن تأتيكم، وفقط سوف نسمح للطحين كي لا يجوع الشعب اللبناني.
لقد كان تفجير المرفأ كارثياً على لبنان، ولكنه إستطاع لفت أنظار المجتمع الدولي إلى الوضع اللبناني فبدأت التدخلات الخارجية على رأسهم فرنسا، ولكن لم يستغلها السياسيون لتحسين الوضع المأساوي.
وفي خضم الكوارث التي يعيشها لبنان من جائحة "كورونا" وتفجير المرفأ والحالة الإقتصادية السيئة والمتدهورة، فإن الكباش السياسي لا زال سيد الموقف واليوم على التدقيق الجنائي.
ومن ضمن الإصلاحات المطلوبة من أجل تسريع وصفة الصندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان هو عملية التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، ويصر رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على أن يكون "إقرار التدقيق" ضمن الخطة الانقاذية للحكومة المقبلة.
وبدأت مسيرة الكباش برفض شركة "كرول" بحجة أنها تتعامل مع إسرائيل، علماً أن الدولة اللبنانية بحد بذاتها ترسم الحدود مع العدو الإسرائيلي. ومع هذا، فقد برزت عراقيل أخرى أبرزها عدم تزويد الشركات بالمعلومات المطلوبة من قبل مصرف لبنان، إلا أنّ الأخير برر رفضه استناداً إلى قانون النقد والتسليف والسرية المصرفية اللذين يمنعان إعطاء أي معلومة بهذا الخصوص.
لكن الواقع إن السرية المصرفية تُطبق على أموال المودعين وليست لمؤسسات الدولة والعامة، كما أنه كيف لمصرف لبنان أن يحرم المودعين من أموالهم ويحجزهم وهو مخالفٌ للقانون؟
إن لم تُعطى الشركات تلك المعلومات فإنها لن تستطيع إكمال مهامها، مما يعني لا مساعدات خارجية للبنان لإنتشاله من وضعه التعيس، فهذا التحقيق سوف يكشف تهريب المليارات إلى الخارج وسبب عجز المصرف المركزي ومدى مصداقيته في قوله إنه لا زال يملك 17.5 مليار دولار إحتياطي أجنبي.. ولكن كيف لنا أن نصدق كلامه؟
والسؤال أيضاً: هل تقبل السلطات اللبنانية وعلى رأسها الوزير جبران باسيل أن تُكمل الشركات تدقيقها على كل مؤسسات الدولة والوزارات وعلى رأسها وزارة الطاقة التي وصل فيها الهدر إلى 50 مليار دولار، وهي تعادل نصف الدين العام والتي كانت بحوزة التيار الوطني الحر خلال عقدٍ ونصف؟.
مرة أخرى تثبت السلطة السياسية عدم اكتراثها للواقع المأساوي الذي يعيشه المواطن اللبناني، وعملية التدقيق الجنائي ليست إلا كباشاً سياسياً صرف لا أكثر ولا أقل، لأن كل الأفرقاء السياسيين متورطون في تهريب أموالهم إلى الخارج وهم متفقون على عدم إجراء هذا التدقيق الذي من شأنه إن حصل بشفافية مطلقة، سيفضح ويكشف عن أكبر عملية سرقة في التاريخ.
عامر جلول - خاص "لبنان24"