"الصبر بدأ ينفد لدى فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المانحة". هي الخلاصة التي أوردها تقريرٌ جديدٌ لوكالة "رويترز"، تناول الوضع في لبنان على وقع "التخبّط" المستمرّ على خطّ الحكومة الموعودة، وقرع مجدّداً "جرس الإنذار" بعنوان أنّ "لا إنقاذ من دون إصلاحات".
لا يبدو هذا التقرير معزولاً، فالتقارير عن "نفاد صبر" الفرنسيّين بالتحديد أكثر من أن تُعَدّ وتُحصى، وآخرها ما تمّ تداوله في الساعات الماضية عن "إحباطٍ" أصاب الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل خلال زيارته إلى لبنان، بعدما كان يمنّي النفس بأن يشهد على ولادة الحكومة في عطلة نهاية الأسبوع.
ووفقاً لهذه التقارير، فإنّ دوريل الذي أبدى "انزعاجه ممّا يفعله اللبنانيون ببلدهم"، كان أكثر "انزعاجاً" من كونه لم يحقّق شيئاً خلال زيارته، علماً أنّ البعض سجّل للضيف الفرنسيّ "إنجازاً عظيماً" تمثل بـ "اتصال الثواني المعدودة" الذي استطاع أن "ينتزعه" بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والوزير السابق جبران باسيل.
"إحباط فرنسيّ"
لا يبدو هذا الكلام مُبالَغاً به، فالفرنسيّون "مُحبَطون" من طريقة تعامل اللبنانيين مع مبادرتهم، بعد إقرار الجميع بأنّها "الفرصة الأخيرة" المُتاحة لهم للإنقاذ، من دون أن يدفعهم ذلك إلى "خفض" الأسقف التفاوضيّة بالحدّ الأدنى، بعيداً عن نهج "المحاصصة" الذي دأبوا على اعتماده منذ عقودٍ، وأوصل البلاد إلى أعتاب "جهنّم" اليوم.
وإذا كان اللبنانيون يراهنون على أنّ فرنسا "لن تتخلّى" عن لبنان، ما يدفعهم إلى التمسّك بـ "الميوعة والغنج" عنواناً لمعاركهم "المفتعلة" حكوميّاً، بل يذهب بعضهم لتعمّد "تقطيع الوقت" في إطار "الرهان" على تطورات خارجية، آخرها انتظار تسلّم الإدارة الأميركيّة الجديدة زمام الأمور، فإنّ الفرنسيّين ينظرون إلى هذه الأمور بعين الريبة، خصوصاً أنّها لا تعكس "النضوج المطلوب" في مقاربة الأمور.
ويقول العارفون إنّ فرنسا لا تزال متمسّكة في مقاربتها للملف اللبنانيّ، بالشعار-المعادلة الذي أطلقه وزير خارجيّتها جان إيف لودريان منذ زيارته الأولى، السابقة لانفجار الرابع من آب المشؤوم، وعنوانه "ساعدونا لنساعدكم"، وهي تعتقد أنّ المسؤولين اللبنانيين لا يزالون يتمنّعون حتى اليوم عن القيام بالدور المتوجّب عليهم، حتى يتسنّى للفرنسيّين أو غيرهم الدخول على الخط، من باب الدعم أو المساندة.
"الخطة باء"!
لكن، أبعد من "الإحباط" الفرنسيّ المُستجِدّ، ثمّة من يسأل عن الخطوات التي يمكن أن تلجأ فرنسا إلى اتخاذها، في إطار ما يمكن تسميتها بـ "الخطة باء"، والتي قد تتّخذ شكل "عقوباتٍ" بدأ الترويج لها عملياً، وقد تصل إلى حدّ "التخلي عن لبنان"، رغم كلّ شيء، مع ما يعنيه ذلك من "نعيٍ" للمبادرة الفرنسية.
من هذه النقطة، ينطلق البعض ليقول إنّ المبادرة أصبحت أصلاً "في خبر كان"، وإن كان الفرنسيّون يحرصون حتى إشعارٍ آخر، على تركها "حيّة" إعلاميّاً، إلا أنّ كلّ مفاعيلها باتت في حكم "المجمَّدة"، من مؤتمر الإنقاذ الذي لم يعد له معنى، بعدما أرجئ من الشهر الماضي بسبب عدم ولادة الحكومة، إلى الزيارة المرتقبة للرئيس ماكرون الشهر المقبل إلى بيروت، والتي قد تتعرّض بدورها لـ "الإلغاء".
وإذا كانت فكرة "العقوبات" لا تزال مُستبعَدة، تماماً كـ "نعي" المبادرة رسمياً، والذي ستعتبره باريس بمثابة "خسارة تكتيكية" لها، فإنّ فكرة "سحب اليد" قد تكون الأكثر قابليّة للتطبيق في القادم من الأيام، لأنّ الفرنسيين لا يستطيعون "إلزام" اللبنانيين، سواء بالترغيب أو الترهيب، بالإنقاذ، إذا ما كانوا هم يصرّون على الذهاب بحزمٍ وثبات نحو "الانهيار".
نفد صبر الفرنسيّين، وقبلهم نفد صبر الخليجيّين، وبعدهم سينفد صبر الأميركيّين، ليجد اللبنانيون أنفسهم في "عزلة تامة"، لكنّها "عزلة" لا تبدو كافية لإقناع بعض المسؤولين بـ "الإقلاع" عن سياسة "تناتش الحصص" كما كانوا يفعلون دوماً، من دون اكتراثٍ للويلات التي جرّوا لبنان إليها، ولا يزالون...