إلى المزيد من "السلبيّة"، يتّجه الملفّ الحكوميّ المترنِّح والمُجمَّد حتى إشعارٍ آخر، بعدما حفلت الساعات الماضية بـ "هجمات ناريّة متبادلة"، ولو اتّخذت منابر "افتراضية"، أدخلت إلى الحقل المعجميّ الحكوميّ، مصطلحاتٍ جديدة من وحي "الانقلاب والتحدّي"، وما شابهها.
ولعلّ "الحرب الضروس" التي شهدتها الفضاءات "الافتراضيّة" بين جمهوري "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، على خلفيّة "الرواية" المتداولة عن دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، إلى تقديم تشكيلته، "على أن يوقّعها غيري"، كافيةٌ ووافيةٌ في هذا المضمار.
وجاءت تصريحات السياسيّين المحسوبين على الطرفيْن عبر الإعلام لتزيد "الطين بلّة"، مع رفع "الأسقف" إلى الدرجة الأقصى المُتاحة، ما ثبّت حقيقة أنّ المفاوضات "وُضِعت على الرفّ"، بانتظار "معجزةٍ ما" تعيد خلط الأوراق، وتدفع الأفرقاء المتخاصمين إلى تقديم "تنازلات متبادلة"، إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.
"نصيحة" للحريري!
ولأنّ "لا دخان من دون نار"، يقول متابعون للملفّ الحكوميّ إنّ "التوتّر" الذي رُصِد في الساعات الماضية على خطّ "بعبدا-بيت الوسط" لم يأت عن عبث، بغضّ النظر عمّا إذا كانت رواية اللقاء "العاصف" بين عون والحريري دقيقة أم من نسج الخيال، بل له أسبابه ودوافعه، التي أوحت بوجود نوايا "تصعيد" في مكانٍ ما.
وبحسب ما يقول هؤلاء، فإنّ هناك من "تعمّد" أن يرمي في الكواليس السياسية، في الساعات الماضية، فرضية "الأمر الواقع"، عبر الإيحاء بأنّ رئيس الحكومة المكلَّف يدرس جدّياً فكرة الذهاب لتقديم تشكيلة "أمر واقع"، بعدما اصطدم بـ "حائطٍ مسدود" من الشروط والشروط المُضادة، من فريق "العهد" الذي لا يبدو "متجاوباً" مع طروحاته، ومحاولاته لإنجاز مهمّته، كما يرغب ويتمنّى.
ومع أنّ أيّ مؤشّرٍ لم يظهر إلى كون الحريري اتّخذ فعلياً قراره في هذا الإطار، ثمّة من يجزم بأنّ "نصائح" قُدّمت له، من بعض المقرّبين منه، وبعضهم نواب في كتلة "المستقبل"، بالذهاب بهذا الاتجاه، عبر نسج تشكيلة "مثاليّة"، محمّلة بأسماء اختصاصيّين من ذوي الخبرات والكفاءات، ولو كان يدرك سلفاً أنّها ستكون "مرفوضة" من رئيس الجمهورية، لعلّه بذلك يضع الأخير في "مواجهة مباشرة" مع الرأي العام.
"راوح مكانك"!
لكنّ العارفين يؤكدون أنّ الحريري لا يزال "متريّثاً" بالذهاب إلى أيّ خطوة "تصعيديّة" من هذا النوع، لأنّ ذلك سيحكم على مهمّته بـ "الفشل"، وسيجعل "الاعتذار" الذي يرفضه حتى إشعارٍ آخر، "تحصيلاً حاصلاً"، عاجلاً أم آجلاً، نتيجة "الاصطدام" مع "العهد"، ولكن قبل ذلك، لأنّه سيؤدّي إلى "تعميق" الأزمة أكثر، وإنهاء أيّ "أملٍ" بتحقيق "خرقٍ ما" يلبّي متطلبات المبادرة الفرنسية.
إلا أنّ "أمل" الحريري يبدو "صعب المنال"، وفق ما يقول مراقبون للوضع الحكوميّ، إذ يلفتون إلى أنّ "المراوحة" تطبعه منذ اليوم الأول، وأنّ أيّ "تنازلٍ" لم يُرصَد على خطّه من قِبَل المعنيّين به، على اختلاف وتنوّع انتماءاتهم السياسيّة، حتى على وقع الأزمات المعيشية والمالية المتفاقمة، والتي زادت في الساعات الماضية مع عودة الدولار للارتفاع إلى معدّلاتٍ قياسيّة لا تنذر سوى بالأسوأ.
ويكفي بحسب هؤلاء، أن يكون نهج "تناتش الحصص" لا يزال على حاله منذ اليوم الأول، بما يشكّل "إدانة" لجميع الأفرقاء، وليس لطرفٍ بعينه، خصوصاً أنّ جميع اللاعبين على خط الحكومة انخرطوا به، بشكلٍ أو بآخر، ولو أعلنوا "التعفّف المزيَّف"، علماً أنّ بعض من "ينظّرون" في الليل والنهار، هم من سبق لهم أن "ضمنوا" حصّتهم منذ ما قبل تكليف الحريري أصلاً!
لن يعمد الحريري لتقديم تشكيلة "أمر واقع" في الوقت الراهن، لأنّه لا يزال يبحث عن "إبرة في كومة قشّ" من شأنها "إنعاش" مهمّته "المستعصية"، كما يقول. لكن، في مقابل هذا الرأي، ثمّة من يؤكّد أنّ الطريق التي يسلكها ستفضي في النهاية إلى مثل هذا الخيار، طالما أنه يصرّ على عدم "التنازل"، فيما الطرف الآخر "يراهن" على "نفاد صبره"، وبالتالي "تجرّعه الكأس المرّة" مجدّداً!