ففي الاشهر الاخيرة، وعلى رغم خطورة الوضع، واصلت السلطة الغرق في مستنقع الازمة الحاصلة، وهي سياسة متعمّدة كما وصفها تقرير البنك الدولي، والذي أضاف وقوداً بعجز المسؤولين اللبنانيين عن التوصّل الى اتفاق مشترك للعمل السياسي الفعّال.
في الواقع حافظ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على وعده بعَقد مؤتمر الدعم الاقتصادي للبنان، على رغم شكوى المصادر الفرنسية من عدم وفاء الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة بالتزاماتها بتشكيل حكومة جديدة لإطلاق الاصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والعواصم الغربية المهتمة بالواقع اللبناني. لكنّ الدعم الفرنسي حمل في طيّاته رسالة صارمة الى السلطة اللبنانية، من خلال إيصال هذه المساعدات مباشرة الى الشعب اللبناني عبر المنظمات الدولية والصليب الاحمر ومن دون المرور بالمؤسسات الرسمية. ولا حاجة الى التكرار أنّ باريس، كما العواصم الغربية، تعتبر انّ الفساد يغلب على طريقة ادارة مؤسسات الدولة اللبنانية، ما يُحتّم التوجّه مباشرة الى العائلات اللبنانية التي أصبح أكثر من نصفها تحت خط الفقر، وفق تقرير البنك الدولي. وثمّة إشارة واضحة في الاجراء الفرنسي، وهو بمقاطعة مؤسسات الدولة اللبنانية، ما قد يشكّل بدايةً لمسار دولي جديد. أي ثمّة «دولة» رديفة يجري العمل على رعايتها لا علاقة لها بمؤسسات الدولة اللبنانية.
بالطبع، إنّ فقدان الثقة لا يشمل كافة مؤسسات الدولة اللبنانية المُتهمة بالفساد، فثمة استثناءات تلحظ في طليعتها الجيش اللبناني إضافة الى مؤسسات اخرى.
هنالك مَن اعتبر انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يشارك في مؤتمر وهو يمثّل دولة يترأسها، لكنها بدأت تفقد بعضاً من شرعيتها الدولية.
والواقع انّ الفوضى تعمّ طريقة أداء السلطة اللبنانية رغم هول الكارثة التي باتت على الابواب.
شركة «ألفاريز اند مارسال»، والتي كُلّفت إجراء التدقيق الجنائي، انسحبت من المستنقع المالي اللبناني بعد كثير من المآخذ التي سجلتها والتي نشرنا بعضاً منها في حينه، وآثرَت الابتعاد «لأننا استنتجنا انّ الجميع يريد ترتيب مخرج لا أكثر ولا أقل»، كما نُقِل عن مسؤول الشركة جيمس دانيال قوله في مجلس خاص.
وقد تكون الشركة شعرت أنّ هنالك من يريد التدقيق المالي لاستثماره في السياسة وليس للاصلاح الجدي. وعلى رغم الرسالة التي أرسلها في الامس وزير المال الى الشركة، الّا انّ الاعتقاد هو انها لن تعود. فحتى أتعابها الملحوظة في العقد لم تعد تريدها، لأنها باتت تفضّل صورتها وصدقيتها على أيّ شيء آخر.
والمصرف المركزي الفرنسي أبلغ الى لبنان في وضوح انه لا يستطيع ان يتولى مهمة التدقيق الجنائي، فهذا ليس اختصاصه، وانّ جُل ما يستطيع ان يساعد لبنان فيه هو تقديم استشارات تقنية.
رائحة النزاع السياسي كانت تفوح من ملف التدقيق الجنائي، والذي كان يَشي بذلك يتلخّص في التراشق الحاصل بين مبدأ السرية المصرفية وعلاقتها بحسابات مصرف لبنان وكواليس الهندسات المالية والحساب 36 المتلّعق بالقطاع العام، والذي هو أصلاً خارج نطاق السرية المصرفية.
وفي هذا التوقيت جاءت الرسالة الخارجية المزدوجة: واحدة من واشنطن عبر صحيفة «وول ستريت جورنال»، والثانية من باريس عبر صحيفة «لوموند» العريقة. مضمون الرسالة واضح لجهة وجود إصرار على كشف الاوراق المستورة، إضافة الى وجود تنسيق بين الاميركيين والفرنسيين حول لبنان.
ذلك انّ لغطاً داخلياً سادَ خلال المرحلة الماضية حول تشويش أميركي على المبادرة التي يقودها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول لبنان. وسادَ اعتقاد خاطئ على نطاق واسع في لبنان أنّ واشنطن منزعجة من المهمة التي تقودها باريس في لبنان.
في الواقع، لم تكن واشنطن في وارد تقديم الدعم المباشر للمهمة الفرنسية، لكنها بالتأكيد لم تكن ضدها ولم تعمل على إحباطها، لكن مع فوز جو بايدن بالرئاسة الاميركية أصبحت الصورة اكثر وضوحاً لجهة حصول تنسيق اميركي ـ فرنسي أكثر وضوحاً حيال لبنان.
فبعيداً عن المواقف المعلنة، والتي تكون كلاسيكية بمعظمها اكثر منها عملية، فإنّ واشنطن تريد حكومة في لبنان يكون وزراؤها، الذين سيتولون حقائب باتت معروفة ومحددة، من خارج تأثير الطبقة السياسية. لذلك، استخدم تعبير «وزراء تكنوقراط» أو «وزراء خبراء». في الواقع، المطلوب وزراء لا يخضعون لإملاءات وأوامر زعماء الطبقة السياسية الحاكمة. وحين طرحَ الرئيس نجيب ميقاتي ان تَتمثّل الاحزاب والقوى السياسية بوزراء دولة فقط، لم تكن باريس، وكذلك واشنطن، معارضة لهذا الطرح، ولكن بشَرط عدم خضوع وزراء الحقائب لأوامر المسؤولين الحزبيين.
لقراءة المقال كاملاً
اضغط هنا.