باتت القرارات الاقتصادية المتصلة بالدعم في مهب رياح السلطتين التشريعية والتنفيذية ومصرف لبنان. فمع اقتراب الوضع الإجتماعي من الإنهيار مع حتمية وقف الدعم في نهاية هذا العام، لم تستطع القوى السياسية (من خلال السلطة التنفيذية) أخذ القرارات المناسبة لترشيد الدعم وفق خطة للانقاذ بانتظار الحلّ السياسي؛ لكن الثابت للخبراء الاقتصاديين ان رفع الدعم سيقابله ارتفاع جنوني في أسعار السلع الغذائية والادوية والبنزين والمازوت، الامر الذي سيضع لبنان على عتبة الانفجار الإجتماعي. فالشعب اللبناني لن يصمد كثيرا، ونسبة كبيرة منه لن تتمكن من تأمين لقمة العيش بالحد الأدنى، وهذا يعني ان الطبقة المتوسطة سوف تصبح فقيرة، والطبقة الفقيرة سوف تزداد فقرا بشكل كبير وفي وقت قصير في ضوء عجزها عن شراء حاجاتها الأساسية. وهذا يعني تآكل القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة، وبالتالي فإن أحداً من الاحزاب والقوى السياسية لن يقوى على تحمّل نتائج وتبعات قرار كهذا.
تجتمع اللجان النيابية المشتركة الاسبوع المقبل لاستكمال البحث بملف الدعم، بعدما طالبت الحكومة ومصرف لبنان بإرسال مقترحات جدية عملية، خاصة وان البرلمان لن يذهب الى اصدار اية توصية بانتظار أن تقدم الحكومة تصوّرًا شاملاً بالاتفاق مع مصرف لبنان لمناقشة الدعم والاحتياط الالزامي على أساسه.
إن الحلول المطروحة على طاولة القوى السياسية كثيرة وتبدأ، بحسب ما تؤكد مصادر اقتصادية لـ"لبنان24"، من ترشيد الدعم ودعم المحتاجين مباشرة من خلال بطاقات تموينية، على أن تحدد الأمم المتحدة على سبيل المثال بالتعاون مع الجيش العائلات التي يفترض ان تحصل على البطاقات، وصولًا إلى بيع قسم من الذهب مروراً باستخدام الاحتياطي الإلزامي، لكن الأكيد ان الترشيد غير كافٍ نظرا إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي تبلغ حاليا حوالي 17.9 مليار ولم يتبق سوى 800 مليون دولار لدعم واردات الوقود والقمح والأدوية حتى نهاية العام الجاري، وبالتالي، فإن حجم الدعم سيتمّ استنفاذه في فترة بضعة أشهر حتى مع التشديد الكبير على الدعم. أمّا بيع قسم من الذهب، فهو أمر شبه مُستحيل مع التطويق الأميركي وغياب أي خطّة إقتصادية للنهوض من الأزمة وعجز القوى السياسية على تشكيل حكومة، مع الاشارة الى ان حاكم البنك المركزي رياض سلامة شدد امس على ان ذهب لبنان الموجود في اميركا حر من أي رهن و أن هناك قانونا يمنع الرهن أو البيع والذهب الموجود في خزنات مصرف لبنان هو بقيمة الثلثين وفتح هذه الخزنات يتطلب وجود 3 مفاتيح.
يمثل المسّ بالإحتياطي الإلزامي خيارا بين الحلول المطروحة إلا أنه يبقى الأكثر تعقيدًا نظرًا إلى أن هذا الإحتياطي يشكل جزءا من ودائع المودعين، فأي مسّ بهذا الإحتياطي يتجاوز، وفق المصادر الاقتصادية، صلاحيات المصرف المركزي، والحكومة وحتى مجلس النواب. فأي قرار في هذا الشأن يحتاج إلى تعديل دستوري يسمح باستخدام هذا الإحتياط، وهذا يعني أن المعنيين سوف يستمرون في الوقت الراهن يتقاذفون كرة رفع الدعم لحين ابتداع فتاوى الحل.
الأبواب موصودة أمام الحلول المطروحة كّلها مع العلم أن الحلّ الأسلم يمرّ بقرار وقف التهريب، وترشيد الدعم، ودعم الصناعات والزراعات المحلّية لسدّ قسم من حاجة السوق بإنتظار الحلّ السياسي والذي يفرض، بحسب المصادر نفسها، تشكيل حكومة وتنفيذ الإصلاحات واستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف جذب الإستثمارات التي تبقى ومن دون أدنى شكّ الحلّ الوحيد للخروج من الأزمة، فضلا عن ضخ دولارات في السوق علما أن هذه الفرضية معدومة راهنا.
يبقى القول، بحسب المصادر، إن التكابر السياسي وتقاذف المسؤولية بين السلطات الدستورية على جثّة الإقتصاد هو دليل على التخبّط الهائل الذي تعيشه الطبقة السياسية في لبنان والذي قدّ يكون مُكلفًا لها في الإستحقاقات الدستورية المستقبلية.