على الرغم من الطابع الهجومي لخطاب "التيار الوطني الحر" والتصعيد السياسي غير المسبوق ونفض اليدين من الازمة المستفحلة ورميها على 30 سنة سابقة، فإن الهدف الأساسي وراء الاستنفار"العوني" يكمن بمحاولة الدفاع عن النفس عبر شد العصب الحزبي والشعبي، خصوصا ان نموذج "النادي العلماني" قابل للتعميم في مختلف جوانب الحياة العامة.
يدرك قادة "التيار الوطني الحر" أن التدهور الذي بدأ منذ بداية العهد تسبب بتراجع شعبي مريع مهما بلغ الجهد لدحض ذلك إعلاميا، خصوصا في ظل الحجة التي باتت مستهلكة كون جبران باسيل يملك اكبر كتلة نيابية في البرلمان بينما القاصي والداني يدرك أن الفضل في ذلك لـ"القانون الانتخابي المسخ"، الذي ساهم بخطف ارادة الشعب اللبناني عبر تشويه النسبية وخلطها مع النظام الأكثري وفق الطرفة اللبنانية الشهيرة "صحيح البغل إبن الحمار لكن الحصان خاله".
ما عاد منطق التحايل ينفع في ظل عمق المأزق الراهن َالذي تتطلب معالجته تغيرات جوهرية في بنية النظام السياسي بعدما انهارالهيكل كاملا جعل من لبنان وطن المشردين والمعذبين في الأرض.
من هنا تبرز أزمة مزدوجة لدى "التيار الوطني الحر" قوامها فشل عهد رئيسه الأصيل وانقطاع الأمل في حفظ ماء الوجه وإنقاذ ما تيسر اواخر ولاية ميشال عون من ناحية، وانعدام فرص الوكيل جبران باسيل بالوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية من ناحية أخرى.
من المفارقات الفاقعة نسبيا انعدام الرؤية في ظل هذا الواقع الثقيل لصالح حالة الارباك والتخبط حيال التعامل مع مرحلة نهاية عهد الرئيس عون. فعلى رغم حدة المواقف المعلنة فمن المرجح تكرار تجربة الشغور في رئاسة الجمهورية كنتيجة حتمية، خصوصا بعدما بات مسلما ترحيل تشكيل الحكومة الى مشارف الربيع المقبل وخطر انهيار أجهزة الدولة بشكل كامل.
من هذه الزاوية يدير جبران باسيل معركته في تشكيل الحكومة الحالية في أكثر من خندق وعلى أكثر من جبهة. وهنا تؤكد مصادرعلى ضرورة احتساب الخسائر من دون ضمان نجاحات، خصوصا في ظل قناعة داخلية وخارجية بضرورة رحيل الطبقة الحاكمة كونها عاجزة عن تحقيق أدنى متطلبات إدارة الدولة.