كل متوقع آت. يقول حكيم عربي. ونحن في لبنان بتنا نتوقع كل شيء. ويبدو أن السلطة تعمل على تحضير الناس للآتي بشكل مدروس. فهي تشيع الأخبار وتكلف من يكذّبها، لكن في النهاية تضع اللبناني أمام التسليم بأي خطوة تقوم بها.
هذا ما حصل مع المودعين وقصتهم الطويلة التي لم تنته أسوأ فصولها بعد. أما اليوم، فيظهر أن موضوع "ترشيد الدعم" على نار حامية، وذلك بعد أشهر من التمهيد "النفسي".
فنحن وفق خبراء إقتصاديين سنصل إلى معايشة هذا الواقع والقبول به عاجلاً أم آجلاً.
والسبب "منطقي" وبسيط جداً. لا أموال في البنك المركزي تسمح له بالإستمرار في دعم المواد الأساسية، وعليها فإننا أمام خيارين، إما مواصلة الدعم وخسارة الإحتياطي الذي يشمل ما تبقى من أموال اللبنانيين، أو تخفيض فاتورة المدفوعات التي ستكلف اللبنانيين ما بقي لهم من مدخرات في البيوت وتآكل القدرة الشرائية لرواتبهم إلى حدود 80%.
في الشكل، ما سبق مقبول حسابياً. لكن في المضمون، فإن حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر.
تقول حسابات الحقل إن عقوداً من الوعود والسياسة الإقتصادية الكارثية القائمة على الريع لا الإنتاج، ومعطوفة على منظومة فساد سياسي وإجتماعي ومحسوبيات، ستمنحنا معيشة مريحة.
لكن حسابات البيدر بيّنت أن كل ما سبق كان وعوداً فارغة، وأن كل ما تقدّم به خبراء وإقتصاديون من فظاعة وكارثية النموذج الإقتصادي الذي نسير به، كانت صحيحة، وها نحن نعاين النتيجة.
نسبة بطالة مرتفعة جداً، وإقتصاد منهار، وأمن إجتماعي مأزوم، وطبقة سياسية تصرّ على المضي في نهجها كأن شيئاً لم يكن. وهذا في المحصلة، كلّف مئات آلاف العائلات مدخراتها، وتدني القدرة الشرائية لنحو 50 إلى 60% من اللبنانيين، ودولة منهارة وغير قادرة على تأمين الحدّ الأدنى من واجباتها الخدماتية تجاه الناس.
إذاً، نحن متروكون لتقبل الإنهيار. وما يجري حالياً هو التحايل على نتيجة واحدة فظيعة نحاول سلوك أطول الطرق الممكنة إليها. وأمام هذا الواقع لا تطرح السلطة أي حلّ.
بل على العكس، تراهن على ما تبقى من أموال الناس وتقوم بالتعاون مع القطاع المصرفي بتهريب أموالها إلى الخارج. تطرح تخفيض الدعم عن المحروقات والخبز والدواء، فيما بيوت المسؤولين منارة ليلاً نهاراً، ويعالجون في الخارج ويأكلون ما حرمنا منه. شعب بأمه وأبيه أمام مصير أسود يتحكم فيه بضعة أشخاص، لا يهمهم إن متنا من المرض والجوع والبرد.
ولعل الأخطر من ذلك، أن هذا المصير لن ينطوي على مأساة الجوع والعطش، بل كما في حكايات التاريخ، سيدفع الفقراء الثمن من لحم بعضهم بعضاً. سيسلبون بعضهم ليأكلوا ويسرقون ويقتلون بعضهم ليسددوا ما عليهم من ديون.
من سيمنع عن الناس موتهم مرضاً لأنهم لا يملكون ثمن الدواء؟ من سيمنع عن الناس توحشها عندما تجد عائلاتها في العراء لأنها لا تملك المال الكافي لسداد إيجار المنزل؟ من سيلجم الناس عن الأذية عندما تضطر لدخول المستشفيات ولا تخرج منها إلا بقوة السلاح لعدم قدرتها على سداد فاتورة الإستشفاء.
من سيحمي موظفي الصيدليات من السرقة والإعتداء طمعاً بدواء؟ من سيحمينا من جزّاري السلطة الذين يتحكمون بحياتنا وموتنا؟