أمام الأزمة المستحكمة في تأليف الحكومة، والتي وصلت الى طريق مسدود ولم تظهر معها أي مؤشرات مستجدة تدعو إلى التفاؤل في امكانية خرق ما يؤشر الى احتمال ولادة الحكومة قريباً حتى ربط التشكيل المحتمل بتسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لإدارته الجديدة، لا يبدو منطقياً الصراع على خط بعبدا – بيت الوسط.
فليس من المتوقع أن يتراجع "التيار الوطني الحر" عن مطالبه كما أن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لن يكون في وارد التنازل في ظل ظروف ومعطيات يرى فيها أنها تصب في مصلحته لانها تعزز من موقعه في الداخل والخارج ومقدار الحاجة إليه، خاصة وانه يتسلح بضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين من غير السياسيين، وفق مندرجات المبادرة الفرنسية.
يعرف الجميع أن العقدة التي تحول دون التشكيل هي عقدة "التيار الوطني الحر"، وأن ما يتصل بـ"حزب الله" وحركة "أمل" والحزب التقدمي الاشتراكي و"المردة"، هي أمور باتت منجزة الى حد كبير وتحتاج فقط الى بت الاسماء نهائياً، في حين ان المشكلة مع "لبنان القوي" هي مشكلة معايير ومبادئ لذلك لا تزال في نقطة الصفر.
السؤال المطروح ماذا ينتظر "التيار الوطني الحر"؟
وفق مصادر مطلعة لـ"لبنان24"، فان النائب جبران باسيل ينتظر امرا واحدا، يتصل بتراجع الحريري عن لعبة عض الاصابع. فهو لا ينتظر ادارة بايدن، واذا كان يظن "التيار الوطني الحر" أن اعادة تعويم الملف النووي الايراني، ومن ثم الدخول في حوارات في الملفات الاقليمية العالقة، يمكن ان يشكل تطورا مؤاتيا له يحسن في موقعه التفاوضي في تشكيل الحكومة فهذه لعبة خطرة وتنطوي على risk عالي، لان مسار الانهيار الاقتصادي والمالي اللبناني اكثر تسارعاً من مسار التفاوض الاميركي – الايراني الشائك والمعقد، ولأن الرئيس عون هو في الثلث الاخير من ولايته التي يحتاج فيها الى كل نهار وساعة لإعادة ترتيب الأوضاع وضبطها للحد من التدهور الحاصل على المستويات كافة.
لا شك في أن المنهجية السياسية للرئيس عون، والتي ورثها عنه الوزير السابق جبران باسيل، تقوم على التمسك بالمواقف وعدم تقديم اي تنازلات في ما يتعلق بالمطالب التي يرفعها "التيار الوطني الحر". فاستعادة شريط الممارسات السياسية الداخلية للتيار العوني منذ العام 2005 يؤكد بوضوح هذه القاعدة، التي ترجمت في محطات كبرى، كـ "التفاهم الرباعي" في العام 2005الذي واجهه العماد عون حينذاك في الانتخابات النيابية، وتمسكه بتفاهم مار مخايل مع "حزب الله" الى النهاية رغم كل ما تعرض له من ضغوطات، فضلا عن الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومات المتعاقبة التي أظهرت بوضوح تمسك عون بباسيل رغم كل الملاحظات الحادة التي حملت صهره مسؤولية الاخفاقات في السنوات الاخيرة.
رغم كل التحذيرات الفرنسية لخطورة الاوضاع في لبنان والتي دفعت وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الى تشبيه الانهيار السياسي والاقتصادي في لبنان بغرق السفينة تيتانيك لكن من دون موسيقى، فإن الرئيس عون عطفا على استحضار القاعدة السابقة الذكر ليس في وارد التنازل عن مطالبه في تشكيل الحكومة ولن يسمح لأحد بفرض ما يسميه "حكومة امر واقع"، حتى لو انهار الوضع الاقتصادي وحتى لو استكمل ما تبقى من ولايته من دون حكومة، تقول المصادر نفسها؛ وهذا هو السيناريو الاسوأ والذي لن يستفيد منه حتما الا اولئك الذين يسعون إلى إعادة تشكيل الواقع اللبناني تشكيلا جذريا مختلفاً وهذا يحتاج الى نقاش آخر.