في عزّ "التوتّر" المهيمن على الملف الحكوميّ، بعد "انفجار" القلوب "المليانة" بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، يتساءل كثيرون عن موقف "حزب الله"، الذي يغيّب نفسه منذ فترةٍ ليست بقصيرة، عن "التفاصيل" الحكوميّة، وبالتالي "الشياطين" الكامنة خلفها.
بين "سندان" رئيس الجمهورية الحليف، و"مطرقة" الشريك رئيس الحكومة المكلّف، يقف "الحزب" اليوم في المنطقة الوسط، أو "الرماديّة" إن جاز التعبير، فهو حريصٌ على "مسايرة" عون حتى آخر الطريق، تفادياً لأيّ "اهتزازٍ" في العلاقة معه، ويصرّ في الوقت نفسه على "تحصين" الحريري، بعد فشل تجربة "البديل" حسّان دياب في تحقيق مبتغاه.
لكنّ الحزب "العالق" بين عون والحريري على ما يبدو، والذي ترجم "الإحراج" في الاستشارات النيابية، يوم أمّن ما يكفي من الأصوات لرئيس الحكومة، من دون أن يقدّم له أصواته المباشرة، "كرمى لعيون" رئيس الجمهورية، بات "في قفص الاتهام"، حيث يعتبر البعض أنّ "حياده" ليس إلا "واجهة" لحقيقة عدم استعجاله التأليف، ورهنه بالاستحقاقات الخارجيّة.
الخارج يقرّر؟
يقول المتابعون إنّ هذا الاتهام ليس بجديد، علماً أنّ ربط الحكومة بالاستحقاقات الخارجيّة تمّ منذ اليوم الأول، إذ سيطر "رهنها" بالانتخابات الرئاسية الأميركية، بين قائلٍ بضرورة تشكيلها قبل موعد الاستحقاق العالميّ "المفصليّ"، ومن اعتبر ولادتها "حتميّة" بمجرّد انتهاء الانتخابات، وتبلور نتيجتها، قبل أن تظهر "فرضيّة" ثالثة رجّحت أن تبصر النور، تزامناً مع دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض الشهر المقبل.
ومع بدء "العدّ العكسي" لهذا الموعد، خصوصاً مع "نضوج" صورة الإدارة الأميركية الجديدة، بعيد تثبيت الهيئة الناخبة الأميركية رسمياً فوز بايدن على حساب الرئيس دونالد ترامب، بدأ الحديث عن "ارتباطاتٍ" جديدة، إذ وُجِد من يضع الحكومة كمادة "ابتزاز" قد يستخدمها الإيرانيّون في سياق مفاوضاتهم مع الإدارة الأميركيّة الجديدة، ولا سيّما لجهة العودة إلى الاتفاق النووي الذي كان أبرِم في عهد باراك أوباما، قبل أن ينسحب ترامب منه.
ولأنّ لـ "حزب الله" ارتباطاته العضوية المعروفة بالجمهورية الإسلاميّة، ثمّة من قرأ في "حياده" غير المُعلَن، و"صمته" المُبالَغ به حكوميّاً، تأكيداً لوضع الحكومة في "بازار" الاتفاق النووي الإيراني المُنتَظَر، أمرٌ لا يرى فيه معظم المتابعين أكثر من "ذريعة" تُستخدَم باعتبار أنّ "العقدة" التي تحول دون تأليف الحكومة لا تزال داخليّة محض، أقلّه حتى إثبات العكس، عبر إنهاء الخلافات على "المحاصصة" وسواها.
"وساطة حزبيّة"
يتبنّى العارفون بأدبيّات "حزب الله" والمقرَّبون منه هذه النظرية بالكامل، على رغم تحبيذ بعض المحسوبين عليه الحديث عن "حصارٍ ومؤامرات" خلف "التعطيل" الحاصل، الذي كان قد بدأ أصلاً منذ زمن حكومة حسّان دياب، واستمرّ عبر الحديث عن "فيتو" على مشاركة "الحزب" غير المباشرة في حكومة الحريري، تحت طائلة فرض عقوباتٍ مباشرةٍ على الأخير، ما دفعه إلى "تجميد" حراكه وافتعال "الإشكالات" مع "العهد".
برأي هؤلاء، فإنّ كلّ ما أثير في هذا السياق، بقي في إطار "الإشاعات" التي لم تثبت صحّتها، خصوصاً أنّ "العقدة" الفعليّة تبقى "شكليّة" بين عون ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، والحريري، علماً أنّ لدى "الحزب" تحفّظاته على الكثير من الخطوات التي أحاطت بالملفّ الحكوميّ، من تقديم الحريري تشكيلة "أمر واقع" عقّدت الأزمة بدل تليينها، إلى عدم تقديم "العونيّين" أيّ تسهيلات، ترجمة لموقفهم المُسبَق من الحريري.
ومع أنّ بعض العارفين يتحدّثون عن "وساطةٍ" باشر بها الحزب لتقريب وجهات النظر بين عون والحريري، لأنّه يريد أن تُشكَّل حكومة برئاسة الأخير، عاجلاً أم آجلاً، فإنّ الوقوف على "الحياد" يبقى "أفضل الممكن" بالنسبة لـ "الحزب"، الذي لا يريد أن تصيبه أيّ "شظايا" غير محسوبة، علماً أنّ مقرّبين منه يستغربون ما أثير في بعض وسائل الإعلام عن تضمّن تشكيلة الحكومة أسماء وزراء للحزب اختارهم الحريري، حتى أنّه قيل إنّ بينهم سيّدة.
لا يُحسَد "حزب الله" على موقفه. يريد لعلاقته مع عون أن تستمرّ وتتعزّز أكثر، ويريد في الوقت نفسه أن ينجح الحريري، المغضوب عليه "عونيّاً"، في تشكيل الحكومة. قد يقول البعض إنّ "الحزب"، المتحفظ على "المعايير المزدوجة"، شأنه شأن عون، يدرك أنّ أيّ حكومة "لا يباركها" الحريري، لن يُكتَب لها الصمود والنجاح. ولكن، هل ينجح في "إقناع" حليفه بذلك؟!