ما من شك انّ هناك قراراً كبيراً بالذهاب عن سابق تصوّر وتصميم الى الانهيار الكامل، أو بدفن الجمهورية الثانية بالتزامن مع البحث في إعادة إنتاج نظام سياسي جديد يُحاكي المعادلات الميدانية والتبدّل في ميزان القوى اللبناني والاقليمي على حدّ سواء. لكن يجب الاقرار أيضاً انّ المصالح الذاتية الضيّقة كفيلة بدَفع البلد الى الهاوية السحيقة «من دون جميلة أحد». تاريخنا يشهد على ذلك، والمشهد يتكرر من دون الأخذ من عِبَر المآسي التي حصلت.
مفهوم السلطة لدى الطبقة السياسية الحاكمة يتلخّص بتحقيق المكاسب الشخصية الضيقة، لا المصلحة العامة التي تتطلّب في بعض الاحيان تضحيات كبرى، وإلّا فما معنى ان نشهد عند كل مفترق نزاعاً حول حقيبة وزارية من «حصّتي أو من حصتك». فيما المسؤولية تفرض أن تكون هذه الحقيبة أو تلك من حصة الوطن وفي سبيل مصلحة اللبنانيين، جميع اللبنانيين.
ومعه، فإنّ المرحلة الصعبة آتية لا محالة، فيما كانت الولادة الحكومية وفق معايير المبادرة الفرنسية ستسمح بضَخ بعض الاوكسيجين، ومنح اللبنانيين بعض الوقت في انتظار التسوية الكبرى في المنطقة.
وفي الواقع، إنّ الارقام تبدو في غاية الخطورة، والارقام لا تكذب وهي ليست مسألة وجهة نظر بل تعكس الحقيقة. لأجل ذلك يغلب الارباك على أداء كافة المسؤولين، فالاسابيع القليلة المقبلة ستشهد انحداراً سريعاً في الاوضاع. وخلال الاجتماع الاخير للجنة الوزارية المهتمة بوضع التدابير للحَد من الدعم الحاصل للتخفيف قدر الامكان من النزف اللاحق بما تبقّى من اموال المودعين اللبنانيين، جرى عرض 4 سيناريوهات حول المبالغ التي يمكن توفيرها اذا ما اعتُمِدت «حمية» مالية معنية.
وكان الهاجس الغالب خلال اجتماعات هذه اللجنة برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب هو طريقة الجَمع بين اتخاذ تدابير قاسية وفي الوقت نفسه الحَد من غضب الناس، أو بتعبير اكثر دقة، الحد من ثورة الجائعين.
لذلك، كان التفاهم على عدم المَسّ بدعم القمح ومادة المازوت والادوية التي تطاول الامراض المزمنة والمستعصية وأصناف معدودة من المواد الغذائية.
امّا ما تبقّى فسيتم تعديل سُبل دعمه، وهنالك آراء يمكن الوزير المختص ان يبدأ بتنفيذها، فيما هنالك آراء أخرى تتطلب قرارات على مستوى مجلس الوزراء. فعلى سبيل المثال، باشَر وزير الاقتصاد خفض السلع المدعومة، والتي كانت لَحَظتها السلة الغذائية، على ان تكتمل هذه الاجراءات مع مطلع السنة الجديدة.
كذلك، فإنّ صفيحة البنزين، والتي تقرّر أن يصبح سعرها في حدود الـ40 الف ليرة لبناية، بدأ العمل على رفع سعرها درجة درجة ليستقر سعرها الجديد خلال الأشهر المقبلة. أمّا رفع الدعم عن الادوية التي لا تعتبر انها لفئة الامراض المزمنة والمستعصية، فستنتظر قرار الوزير وجَدوله الشهر المقبل.
تبقى الاجراءات التي تتطلّب قراراً لمجلس الوزراء، كمثل رفع سعر استهلاك الكهرباء وفق سلّم تصاعدي، فإنها ستبقى معلّقة الى حين انعقاد جلسة لمجلس الوزراء. وحال الارباك تظهر في وضوح هنا، ذلك انّ دياب يرفض الدعوة الى أي جلسة لمجلس الوزراء بحجّة انّ في ذلك مخالفة للدستور كَون حكومته هي حكومة تصريف اعمال، فيما الواقع أنّ دياب لا يريد ان يتحمّل ثورة الناس الغاضبين. وبالتالي، ان يترك القرارات الصعبة للحكومة المقبلة. فيما يَهمس بعض الوزراء أنه قد يكون من أسباب عدم حصول الولادة الحكومية رغبة الرئيس المكلف سعد الحريري بتَرك المعالجات المعيشية الصعبة على كاهل الحكومة المستقيلة، لا أن يتحمّلها هو. وثمّة مفارقة أخرى لا تقل أهمية، ذلك انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان قد رَدّد مرات عدة خلال الاسابيع الماضية أنّ ما تبقّى لديه من اموال من خارج الاحتياطي الالزامي لا يتجاوز مبلغ الـ 700 مليون دولار. لكنّه فاجَأ الجميع، خلال إطلالته الاعلامية الاخيرة، بالحديث عن ملياري دولار. وحتى ممثّل المصرف المركزي الذي يحضر اجتماعات اللجنة الوزارية، فاجَأ الوزراء بالتأكيد أنّ المبلغ المتبقّي أصبح ملياري دولار بدلاً من أن يكون 700 مليون دولار، كما قال سابقاً. ومعه يُطرح السؤال: من اين أتت هذه الزيادة؟ ولماذا اختلفت الارقام فجأة بين ليلة وضحاها؟ وما هي القطبة السياسية التي تقف خلف تبدّل الارقام؟ وأيضاً ما هو الرقم الحقيقي للمبلغ خارج الاحتياطي الالزامي؟
لقراءة المقال كاملاً
اضغط هنا.