أيام قليلة تفصلنا عن نهاية العام 2020. يجزم من هم أكبر منا سناً وخبرة، أنهم لم يشهدوا مثل هذه السنة نحساً وكوارث واضطرابات.
ولعل نجم هذه السنة كان فيروس كورونا بطبيعة الحال، لكن الوباء العالمي الذي حصد أرواح مئات آلاف البشر حول العالم، لا يزال أسهل على اللبنانيين من المصائب الأخرى.
فقد شهدت هذه السنة علائم الإنهيار الواضح. إقتصاد يلفظ أنفاسه الاخيرة، ودولة عاجزة عن إصلاح أي شيء، وخطوات نحو تفاقم الفوضى الإجتماعية وغياب الأمن وانتشار جزر الأمن الذاتي والبلطجة.
لكن ثمة أمرين يجب التوقف عندهما، لأنهما يعبران عن تأزم مجتمعنا.
الأول: يقول علم السياسة أن وظيفة السياسي هي سوق الرعية. وساس الناس أي سار بهم وعني بأمورهم. وهذا يعني أن المهمة الملقاة على عاتق أي سياسي هو العناية بأمور الناس وأحوالهم، بصفته منتدبا عنهم إلى مركز القرار وتسيير الشؤون العامة.
المؤكد أن الساسة اللبنانيين على عكس كل تعريفات علم السياسة. وهم على أي حال، رعاة شبكة مصالح عابرة للطوائف قائمة على قاعدة واسعة من العلاقات الزبائنية.
وهنا لبّ المشكلة التي تضرب بحياة القسم الأكبر من اللبنانيين، تاركة اياهم نهباً لقطاع الطرق في الأحياء والشوارع ومؤسسات الدولة الرسمية المدنية منها والعسكرية.
مروحة واسعة من علاقات الفساد قائمة ومستمرة حتى آخر فلس في خزينة الدولة، على حساب ما تبقى من هياكل مؤسسات الأمان الإجتماعي والصحي.
ومن الملاحظ مؤخرا، أو خلال السنة المنصرمة، أن ضحالة فكر السياسيين تزداد، وقلة مسؤوليتهم أيضاً، في حين أن اللبنانيين يبدو أنهم مخدرون.
لكن المؤكد أيضاً انهم شبه راضين عن أداء زعاماتهم التي تحتكر خطاب الطائفة، وتجعلهم حطباً في أتون النار الآتية.
هكذا نشهد يومياً سجالات "بلا طعمة" في بلد ينهار بسرعة. شيء ما أشبه ب "لتلتة نسوان" في حين أننا نحتاج إلى حكومة سريعة تضع حدا للإنهيار.
لكن بدلاً من ذلك، نرى الفعل وردود الفعل، كأن البلد بألف خير.
وهذا دليل على ثبات منطق الجزر الطائفية التي تنعدم فيها أي فكرة ومشروع، لصالح "الراعي" الطائفي الذي يتحرر من أي التزامات تجاه الرعية، الا من حمايتها امنياً، حتى يصبح مطلق اليدين والإرادة في تحديد شكل حياة الناس.
الثاني: وهم صلاح الحال. هذا ما يجب أن يفهمه ويعترف به الجميع. لا حل لأزمتنا الإقتصادية من دون هيكل رسمي قوي ولديه إرادة التغيير.
لن نشهد معجزة. الأمور واضحة، لكننا نحتال عليها بأساليب متنوعة. هذا السؤال يمكن طرحه على الكثير من اللبنانيين بعد الزحمات الخانقة في الشوارع، وهرعهم للتبضع كأن "الدنيا ماشية".
كيف يسير الإقتصاد اذا؟
بات واضحا انه يقوم إقتصاد خفي يندمج فيه السياسي بالإقتصادي وأموال المغتربين. نعيش هكذا إلى أن يأتي الفرج. نتبضع وندفع بأسعار خيالية، ونفرغ غضبنا على مواقع التواصل، فيما يواصل السياسيون نشاطهم المعروف في نهب المال العام وإفلاسنا، وافتعال المشاكل الكلامية كأننا نعيش في طواحين هواء.