إلى إقفالٍ "قسريّ" جديد يتّجه لبنان، بسبب تفشّي فيروس كورونا، وفقاً لقرارات اللجنة الوزاريّة المختصّة، على رغم أنّ الحكومة سبق أن أعلنت "الانتصار" في معركتها مع الجائحة، وعمّت الاحتفالات مختلف المناطق، برعاية، وربما "مباركة" وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن.
بحسرةٍ، يتذكّر اللبنانيون الكثير من مواقف الوزير حسن، ومعه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، يوم هلّلت الحكومة مجتمعةً لكسب "الجولة الأولى" من الحرب مع كورونا، بل وصل الأمر ببعض مؤيّدي الحكومة وداعميها، إلى الاستشهاد بمقالاتٍ من الصحافة الأجنبيّة، تتحدثّ عن "النموذج" اللبنانيّ الذي يُحتذى.
أما اليوم، فإنّ الأكيد أنّ "النموذج" اللبناني لا يزال مذكوراً في الصحافة الأجنبية، ولكن من باب "التحذير" من تبعاته "الخطيرة"، بعدما شكّل لبنان "الاستثناء" في كلّ شيء، فشرّع أبوابه أمام الفيروس بحُجّة الأعياد، كما لم تفعل معظم دول العالم، بما فيها تلك التي لا تزال قادرة على ضبط "معدّلات" الإصابة والعدوى.
"خطايا" وأكثر...
في معرض "التخفيف" من دور السلطات في الانتشار الهائل للوباء، يعزو البعض أسباب التفشّي إلى انفجار الرابع من آب المشؤوم، الذي شكّل النقطة "الفاصلة" بين مرحلتين، وضرب كلّ الإجراءات الاحترازية والوقائيّة، باعتبار أنّ الحدث الجلل فرض نفسه وأجندته، علماً أنّه جاء في لحظةٍ صحّية "حَرِجة"، والبلاد على أبواب إقفالٍ ولو جزئيّ، جُمّد مفعوله على وقع مواد الأمونيوم المتفجّرة.
إلا أنّ هذا الكلام، ولو كان يحتمل جانباً من الصواب والدقّة، لا يعفي الدولة من المسؤولية عن "الخطايا" التي ارتكبتها في إدارة ملفّ كورونا، بعدما أفرغت بنفسها قرارات الإقفال التي اتخذتها من مضمونها، باستثناءاتٍ تطوّعت لمنحها "بالجملة"، لا "بالمفرّق"، وحوّلت كلّ الإجراءات الرادعة التي اتخذتها لمجرّد "حِبْرٍ على ورق"، كانت المشجّع الأول على "خرقه"، وهو ما تجلّى خصوصاً بالسجالات "المُفتعَلة" بين الوزراء أنفسهم.
وليزيد الطين بلّة، جاء قرار فتح البلاد على مصراعيْها في فترة الأعياد، وإن كان مبرَّراً بالأوضاع الاقتصادية المؤلمة، وعدم وجود قدرة لدى أصحاب المصالح والتجّار على تحمّل تبعات الإقفال، في ظلّ استحالة إيجاد "توازن" بين اعتبارات الصحّة والاقتصاد، مع أنّ الجميع كانوا مدركين سلفاً أنّ مثل هذا القرار سيُستتبَع بإقفالٍ شامل مع بداية العام، ولو نفى دياب مثل هذا التوجّه قبل أسبوع، متحدّثاً عن أرقامٍ "معقولة" من الإصابات!
الإقفال لا يكفي
اليوم، يعوّل المسؤولون على الإقفال الجديد الذي يدخل حيّز التنفيذ الخميس المقبل، ويستمرّ حتى الأول من شباط المقبل، لعلّه "يعوّض ما فات"، ويحقّق بعضاً ممّا حقّقه الإقفال الشامل الذي شهدته البلاد في بدايات أزمة كورونا في آذار الماضي، وأفضى إلى احتفالات "النصر"، الذي لم يصمد طويلاً.
إلا أنّ مثل هذا الإقفال، وحده، لا يكفي وفق ما يؤكّد العارفون، خصوصاً أنّ لا مؤشّرات تدلّ على إمكانية "احترامه" بالمُطلَق، ليس فقط لكثرة أساليب "الاحتيال" عليه التي خبرها اللبنانيون على مدى الإقفالات السابقة، ولا لكثرة المؤمنين بأنّ "لا كورونا" من الأصل، ولو فقدوا أحبّتهم بسببها، ولكن، قبل كلّ شيء، لغياب "المقوّمات" التي تسمح للدولة بفرض الإقفال عملياً على المواطنين، والتي تمنع "الشكّ" بسقوطه في "الفخّ" في غضون يوميْن.
ولعلّ الإعلان عن إعادة العمل بنظام "المجوز والمفرد"، الذي يرى فيه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، "إنجازاً شخصياً" ربما، يكفي لنعي النتائج المتوخّاة للإقفال، خصوصاً أنّ المواطنين لا يرون في هذا النظام سوى "ضوء أخضر" للتنقّل بسياراتهم كما يحلو لهم، طالما أنّهم يحترمون المواعيد المطروحة، ولا يعود همّ القوى الأمنية سوى التأكد من أرقام السيارات، بل الاحتفاء بتسطير محاضر الضبط للسيارات المخالفة، ونقطة على السطر!
بمُعزَلٍ عن كلّ شيء، يتحمّل اللبنانيون مسؤوليّةً كبرى في ما وصلت إليه البلاد على الصعيد الصحّي، فهم الذين لا يرتدون الكمامة إلا إذا رأوا دوريّة أمنية، وهم الذين لا يلتزمون بالتباعد الاجتماعيّ، وهم الذين تصبح "الضرورة القصوى" تعريفاً لكلّ مشاريعهم ونزهاتهم. إلا أنّ مسؤولية الدولة تبقى أكثر من مُضاعَفة، بعدما فشلت في الامتحان الصحّي، تماماً كما عجزت عن التصدّي لسائر الامتحانات، على اختلافها، لتغدو الفاتورة باهظة، وأكثر...