لا تزال الحكومة عالقة وأسباب عرقلة مساعي التأليف غير واضحة المعالم، إذ انقسمت آراء المتابعين حولها حيث رجح البعض أن تكون دوافع التعطيل مرتبطة بشكل النظام اللبناني أساساً والخلافات التكتيكية بين القوى السياسية وتحديدا التيار "الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، في حين اعتبر البعض الآخر أنها عائدة الى الصراعات الاقليمية التي تفرض انتظار تسوية شاملة بُعيد تسلّم الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن مهامه في البيت الابيض.
لكن، وعلى هامش هذه الآراء هناك من يعتقد ان الرئيس المكلف سعد الحريري سيُحدث ما يشبه المفاجأة بعد العشرين من كانون الثاني الجاري، وهذه النظرية مبنية على قراءة سياسية مرتبطة بهواجس لدى "المستقبل" عموماً والحريري خصوصا، ولعل هذه المخاوف هي التي لا تزال حتى اليوم تعيق عجلة التشكيل بسبب الخلاف القائم حول حقائب وزارية وغيرها من الامور المتعلقة بشكل الحكومة.
من الواضح ان الرئيس سعد الحريري لم يعد راغباً في عدم الاستمرار بعملية البحث عن حلول حكومية، إذ انه مستعجل، كما الرئيس ميشال عون، ولديه مصلحة مباشرة في الاسراع بالتشكيل بهدف لملمة قاعدته الشعبية وإعادة ترتيب بيته السياسي، لذلك فإن الحريري يستعد اليوم للمضيّ في خطوة الحلحلة من أجل ولادة الحكومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لم يقُم الحريري بهذه المبادرة في الأسابيع الطويلة الماضية، وما الذي تبدّل في الظروف الاقليمية او الداخلية حتى أصبح من المتوقّع أن يذهب نحو تقديم التنازلات المباشرة؟
وفق قراءات سياسية، فإن الحريري يسير ضمن توازنات محددة يحاول من خلالها تجنّب وضع اسمه على لائحة العقوبات الاميركية قبل نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب بعد أيام، إذ أن مماطلة الحريري توحي بأن ثمة رسائل قد وصلت اليه بشكل مباشر او عبر وسائل اعلام اميركية تهدّد بضمّه الى لائحة العقوبات في حال أقدم على تشكيل حكومة يشارك فيها كل من التيار "الوطني الحر" و"حزب الله".
لذلك، قد يكون الحريري استفاد من العراقيل التي فرضها الرئيس ميشال عون و"الوطني الحر" من اجل تأخير ولادة الحكومة وتمرير الوقت حتى رحيل إدارة ترامب لتأتي بعدها ادارة جديدة برئاسة جو بايدن تفتح الباب امام الفرنسيين وتأخذ بعين الاعتبار رؤيتهم للساحة اللبنانية. وللمفارقة فإن هذه الرؤية تقوم على مبدأ تسهيل ولادة الحكومة ومنع الانهيار الكامل، وبالتالي فإن الحريري سيلاقي هذه المبادرة من أجل الدفع بالتشكيل من دون خطر العقوبات عليه او على المقربين منه.
لكن كل ذلك لا يعني أن الحكومة ستولد فور وصول بايدن الى البيت الابيض، الا ان المفاوضات قد تصبح اكثر ليونة وستتلقى جرعة دعم خارجية تُعيد النشاط الى خط "بيت الوسط" - بعبدا، وحينها سيذهب الحريري نحو تقديم تنازلات جدية تدفع عون الى تنازلات مقابلة للوصول الى التشكيل.