على طريقة "في الحركة بركة"، اختار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب أن يتحرّك، على خطّ تأليف الحكومة، فجال على كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، مقدِّمًا نفسه بصورةٍ جديدة، لم يألفها منه اللبنانيون، ألا وهي "الوسيط".
أعطيت جولة دياب الكثير من التفسيرات والتأويلات التي قد يصحّ بعضها، وقد يخطئ معظمها، حيث قيل إنّ الرجل أراد "ردّ" الزيارة "التضامنيّة" لرئيس الحكومة المكلَّف، عقب الادّعاء عليه بتهمة التقصير والإهمال في جريمة انفجار المرفأ، وقيل أيضًا إنّه سعى لدفع "الإحراج" عن نفسه، بعدما كان "شاهدًا" على فيديو بعبدا المسيء للحريري.
لكن، هناك من ذهب أبعد من ذلك، ليضع تحرّك الرئيس دياب في مصاف "المبادرة" لتقريب وجهات النظر بين الرئيسيْن عون والحريري، تمهيدًا لتشكيل حكومة، وإن كانت تتداخل وتتقاطع مع مجموعةٍ أخرى من الوساطات التي لم تقدّم أو تؤخّر، "مبادرة" يرى البعض أنّها، حتى لو وُجِدت، انتهت قبل أن تبدأ عمليًّا وتدخل حيّز التنفيذ...
"ردّ إجر"؟!
يرى البعض أنّ "حراك" رئيس حكومة تصريف الأعمال أعطي أكبر من حجمه في الإعلام، لغاياتٍ في نفس يعقوب، أو ربما في نفس دياب نفسه، الساعي بطبيعة الحال لدورٍ "مستقبليّ" يلعبه ما بعد خروجه من السراي، بعدما شعر أنّ مقوّمات مثل هذا الدور باتت موجودة إلى حدّ ما، ولم يعد "اعتزاله السياسيّ" خيارًا لا مفرّ منه كما كان قبل أسابيع خلت.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ الهدف الفعليّ لجولة دياب تمثّل بزيارته إلى بيت الوسط تحديدًا، ولقاءه رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، لاعتباريْن أساسيّيْن، أولهما "تحصين" علاقته بالأخير، عبر "ردّ" زيارته التضامنيّة له، من باب "الواجبات الاجتماعية، وثانيهما دفع "الإحراج" والضرر الناتج عنه الذي قد يكون تعرّض له، بعدما وُجِّهت له بعض أصابع الاتهام بأنّه كان "شريكًا" في فيديو بعبدا الشهير، ولو بالصمت الذي تسلّح به.
ومع أنّ دياب تعمّد إلباس زيارته لبوس "الوساطة والمبادرة"، إلا أنّ المعنيّين يستبعدون أن يكون لحراكه هذا أيّ تأثير فعليّ، خصوصًا أنّه لا يتمتّع بالحيثيّة الكافية لتحريك المياه الراكدة، ولا "الموْنة" اللازمة، سواء عند الحريري أو عند عون، فضلاً عن أنّ هناك وساطاتٍ مبذولة على نطاقٍ أعلى، من البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولم تُفضِ إلى نتيجة تُذكَر بعد.
ماذا يريد دياب؟
لكن، بمُعزَل عن نتائج "حراك" دياب، ثمّة من يطرح علامات استفهام حول ما يريده الرجل فعليًّا، خصوصًا أنّ هناك "صيتًا" يكاد يسبقه عمليًا، ربطًا بتمسّكه بكرسيّ السلطة، ورغبته بالبقاء في منصبه لأطول فترة ممكنة، ما يعني أنّه لا يمكن أن يبادر من تلقاء نفسه، إلى أيّ "وساطة" من شأنها "تقصير" إقامته في السراي، ولو ببضعة أيّام.
يقول العارفون إنّ إدراك دياب المُسبق بأنّه لن ينجح من خلال وساطته، في ما أخفق به من هم أكثر مهارةً منه في التقريب بين الأضداد، لا يعني أنّه لا يريد فعليًا إنهاء عمر حكومته، التي احتفلت تزامنًا مع حركته، في مفارقةٍ لافتةٍ، بذكرى مرور عامٍ على ولادتها، وفي ظلّ توقعاتٍ وتقديرات بأنّ فترة تصريف الأعمال قد تتجاوز، بالمدّة الزمنية، فترة حكمها بوصفها حكومةً أصيلة.
وثمّة من يشير في هذا السياق إلى أنّ دياب "يستعجل" ولادة الحكومة أكثر من أيّ أحدٍ آخر، لأنّه لا يريد "إضاعة" ما حقّقه في الأسابيع الأخيرة التي شكّلت "تحوّلاً" في النظرة إليه ومقاربة العلاقة معه، ولكن، قبل ذلك، لأنّه لا يريد أن يتحمّل وحكومته مسؤولية الدرك الذي وصلت إليه البلاد، والذي لا ينبئ سوى بالأسوأ في القادم من الأيام، وفي ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، علمًا أنّ "سقوط" الحكومة في "امتحان" كورونا يكاد يكون كافيًا للحكم عليها.
قد لا يرقى حراك حسّان دياب لمستوى "المبادرة" التي يسعى الرجل لتسويقها، والإيحاء بأنّه، من موقعٍ "وسطيّ"، يحاول تقريب وجهات النظر، بما يتيح ولادة الحكومة. وقد يكون الرجل انجرّ خلف "مصلحته"، بحثًا عن موقعٍ في المعادلة في المرحلة المقبلة. لكن، وبمُعزَلٍ عن كلّ الخلفيّات والدوافع، يبقى الأكيد أنّ استمرار الأزمة الحكوميّة لم يعد مقبولاً، في بلدٍ منهار، بكلّ ما للكلمة من معنى...