كتب عامر جلول: بعد أن هاجر يعقوب وأبنائه من الأراضي المقدسة إلى مصر، حيث إستقروا في تلك البلاد، حتى جاء فرعون المشهور الذي ذُكر في القرآن الكريم، حيث بدأ بعملية البطش والتنكيل ببني إسرائيل، فلقد قام بإستعباد بني إسرائيل وأجبرهم على أعمال السخرة، وسط الصحراء كي يقوموا ببناء الأصرحة والمرافق الحيوية، التي تمكّن تسلطه وسيطرته السياسية، الإ أن بني إسرائيل لم يحركوا ساكنًا، ولم ينتفضوا عليه، بسبب جبنهم وخوفهم منه.
لقد واجه سيدنا موسى فرعون بكل قوةٍ وعزيمة (اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ، ولكن فرعون رفض، وحدثت قصة الهروب الشهيرة، إلا أن التاريخ يأبى إلا أنّ يكرر نفسه، فكل الطغاة والمجرومون نهايتهم وخيمة وشنيعة ولو بعد حين، فإن مصير الطغيان حتمي، وهو الزوال بلا شك "إن في ذلك لآية".
ولكن ليست العبرة في رحلة الخروج والهروب، إنما العبرة هي أن سلوكيات العبيد والذين إرتضوا الذل منهاج حياة، لن يقبلوا أن يتحرروا، فالعبور والخروج، لم تُغيّر من الوعي الجمعي، ولا من طريقة التفكير عندهم، فمن الصعب على من وُلد ونشأ في ظلّ العبودية أن يستشعر الحرية.
هنا النقطة الفاصلة، وهي عندما طلب سيدنا موسى، القتال للدخول مجددًا إلى الأراضي المقدسة، إلا أن جوابهم كما هو معروف "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون". هنا جاء العقاب من الله سبحانه وتعالى حيث قال: " قال فإنها محرمةٌ عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين".
قد يسأل القارئ، ماذا يهمنا من هذه القصة ، في الوقت الذي نعاني فيه من الفقر والجوع، دون أي حلولٍ من قِبل الطبقة السياسية؟
البعض، يعتقد أن فرعون هو شخص الذي ذُكر في القرآن، إطلاقًا، إنه يمثل كل ظالمٍ في كل زمانٍ ومكان، نحن لم نواجه ظلامنّا ولو بالكلمة، إذا أعطونا أحد حقوقنا الإنسانية، التي هي حق كل إنسانٍ منذ ولادته، قمنا بنشر صوره وتبجيله وجعله قديسًا.
أما في لبنان، فنحن أشبه ببني إسرائيل في حالة التيه، جيل التيه هو جيلٌ يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، وله تصوراته وآراؤه التي تجعله أبعد ما يكون عن الإنسانية، فهو يرى أن الحياة تقتصر على الأكل والشرب والإنجاب. نحن اليوم في بداية التيه، وذلك لأننا أرتضينا الذل والهوان وبطش الحكام، لم نتحرك كي نحصل على أدنى حقوقنا الإنسانية، التي نصت عليها شرعة حقوق الإنسان.
جاءت فرصة 17 تشرين، رغم كل عللها وتشوهاتها البنيوية والحركية، إلا أنها كانت فرصةٌ، نستطيع أن نعوّل عليها، إلا أننا رفضنا أن نتحرر من مذهبيتنا والطوائف وأفكارنا البالية والموروثات الثقافية المزورعة منذ نشأتنا، في اللاوعي والعقل الباطني، وبتنا نعيش على ثقافة المساعدات والكرتونة، لقد صارعنا بعضنا البعض على مناصبٍ وأسماءٍ لم نمتلكها في الأصل، إن السلطة هدفها كما هو هدف فرعون سابقًا ، أن يفرقونا ويجعلونا شيعًا، كي يتمكّنوا من رقابنا.
لا بد لنا من قراءة التاريخ كي نستفيد منه عبر إسقاطه على واقعنا الحالي، إن التاريخ يتغير شكله نسبةً للزمان والمكان، ولكن المضمون يبقى هو نفسه، إن بني إسرائيل البارحة هي الشعوب العربية اليوم، إذ إن الصورة تتكرر، حتى بعد مرور آلاف السنين على تيه بني إسرائيل، إن تلك الشعوب تعيش اليوم، الحالة ذاتها، من قهرٍ وظلم، فتلك الحالة، هي تراكماتٍ وصيرورة من السكوت الزمني دون أي مقاومةٍ للطغيان والإستبداد، ، هذه الخلطة أدت إلى إنفجارٍ إجتماعي لن يهدأ إلا لظهور حالةٍ تشبه سيدنا داود.