... وبعد
تنتظر طرابلس ما هو آت. هي تنتظر من الدولة خطوات مفيدة ومجدية توقف النزف فيها، وتشرع في تلافي أسباب الحراك، وبخاصة الذي يتخذه هذا الفريق أو ذاك سبيلا إلى اللعب بالنار وإثارة الفوضى والاخلال بالأمن.
فلا شيء يمكنه أن يحدّ من التوتر في المدينة الا قوة الدولة، القوة الإيجابية والمبادرات المفيدة، ثم يأتي بعد ذلك دور القبضة الفولاذية الحاسمة، ولكن الحسم لا بد من أن تسبقه المعالجات والاهتمام والأبوة الصادقة.
وقد بات من المؤكد أن طرابلس ظلمت أمس في أعنف وأسوأ حادثة من نوعها، إذ ان المدينة لم تشهد في وقت سابق، بل في تاريخها الحديث، إحراقا للقصر البلدي الذي يمثل فعليا المدينة، فهو دار عمدتها في التاريخ.
أمس تلقف الرئيس نجيب ميقاتي الكرة وعكس في كلامه مفهومية المدينة للتطورات منذ ما قبل الاعتداء التاريخي على البلدية والمحكمة الشرعية، إذ أنه لم يغفل ضمنا الأحداث الأمنية المتلاحقة والسرقات العنفية التي تكررت في المدينة.
بواقعية قدم الرئيس ميقاتي المشهد والحلول القائمة على فعالية الدور الرسمي للدولة الحاضنة الوحيدة للشعب اللبناني والسلطة الوحيدة، التي يريدها الناس نافذة وقادرة في مختلف نواحي الحياة.
وبقدر كبير من الإرادة الصافية أكد ميقاتي على أهمية دور الدولة في المراحل المختلفة لمعالجة الأزمة ونتائجها، وفي وضع حد للنزف المجتمعي وإعادة النظر في القرارات التي تنعكس على الفقراء في المدينة وفي مختلف مدن الحرمان. فالمعادلة التي طرحها فاعلة في كل مدن لبنان. فبائع الكعك يحتاج إلى العمل يوميا في طرابلس وغيرها، كذلك هي حالة كل عامل مياوم لا يقوى على حجر نفسه وهو مقطوع الرزق.
الرئيس ميقاتي الذي تلقى الكثير من المراجعات التي طالبته بالدفاع الذاتي عن مرافق المدينة ومؤسسات العزم، حيث أعربت مجموعات بشرية عدة الليلة الماضية (ليل الخميس - الجمعة ) عن رغبتها بالنزول إلى الشارع ورد المشاغبين المعتدين، وقد شدد جازما بأن الامر للجيش وقوى الأمن. في هذا السياق قدم الرئيس ميقاتي الولاء بمفهومه العميق لمؤسسات الدولة. بكثير من الثقة فعل ذلك، ولكنه صارح أيضا المسؤولين بقدرة الناس على الدفاع عن النفس، وهو أن "الكي يعني آخر الدواء" الذي لا يريده فعلا إلا إذا أجبرت الوقائع الناس واجبرته أيضا. فالرئيس ميقاتي يدرك محاذير الامن الذاتي ونتائجه، لعله يدرك أيضا أن أي مدينة ستسبق إليه غيرها إنما ستعلن بذلك تعميم مفهومه في كل منطقة وناحية.
واقعية زعيم العزم طغت أمس وحددت شروط تموضع طرابلس في قلب الدولة انتماء وعناية إنماء وامنا، والعبرة في حسن تفهم كلامه وحسن التعاطي مع مضمونه.
على كل حال تحتاج طرابلس لكي تعود إلى الهدوء التام ولتتعافي النفوس والأحوال الاقتصادية والاجتماعية هذا هو الأساس .