تجربة أحب أن أشارك اللبنانيين بها، قبل أن أستخلص منها بعض العِبر، خصوصًا في زمن الكورونا، التي تملأ بيوتنا رعبًا وقلقًا، مع تزايد الوفيات والإصابات على رغم الإقفال العام.
مررت خلال الاسبوع الذي إنقضى بتجربة صحية زادتني قناعة بأنه لا يزال ينقصنا الكثير في بلد الأرز والجمال لكي نستحق، كشعب إختار هذه الفئة من المنظومة الحاكمة، هذا البلد، الذي لا يزال بعيدًا كل البعد عن أحلامنا وعن إنسانية الإنسان فيه.
اصبت بداية الاسبوع الماضي بنكسة صحية إستلزمت نقلي بواسطة الإسعاف إلى إحدى مستشفيات مونتريال. لم يسألوني اذا ما كنت أملك المال الكافي يؤهلني لدخول المستشفى.
لم يسألوني عن طائفتي ولا عن إنتمائي السياسي، ولم يكترثوا كثيرًا إلى لون بشرتي، ولا إلى أصولي، ولم يهتموا إلى لهجتي الفرنسية غير الكيبيكية.
أنا بالنسبة إلى الجهاز الطبي، من ممرضات وممرضين وأطباء، إنسان بحاجة إلى أقصى عناية وليس إلى أي شيء آخر. لم يتركوا أي فحص إلا وأجروه إستنادّا إلى ملفي الطبي المتوافر بمجرد إدخال رقم بطاقتي الصحية، وما هي الأدوية التي اتناولها.
أسبوع بكامله قضيته في ذاك المستشفى، وكنت وحيدّا لأن الزيارات العائلية ممنوعة في زمن الكورونا، لم أشعر بأنني كنت متروكُا أو مهملّا. لم ألاقِ سوى الإهتمام الفائق وكأنني وزير أو نائب، لأن الجميع هنا متساوون في الرعاية والإهتمام.
أقول كل ذلك ليس لإبرّر إختياري الهجرة، وليس لإبرهن بأن العيش في كندا، من حيث كرامة الإنسان، أفضل من أي مكان آخر، وبالأخص أفضل من العيش في لبنان، حيث لا يزال الفقراء الذين لا ضامن صحّيّا لهم يموتون على أبواب المستشفيات، وحيث لا تزال الطبقية هي المستحكمة، وحيث لا يزال الإنتماء إلى الطائفة وليس إلى المواطنة هو السائد، وحيث لا يزال التعامل الإنساني - الإنساني خاضعًا لمعايير غير المعايير الإنسانية الحقّة، وحيث لا يزال مدى الزبائنية لهذا الزعيم أو ذاك المسؤول في الدولة هو المقياس لكيفية الحصول على خدمة عامة هي من حقّ كل مواطن من دون أي تمييز بين مواطن وآخر.
هذه التجربة التي مررت بها، على رغم حراجتها، زادتني قناعة بأن التركيبة الحالية في لبنان والقائمة على أسس غير سليمة وغير صحّية تحتاج إلى تغيير، في النفوس قبل النصوص، وأن المقاربات فيه لا تمتّ بأي صلة إلى شرعة حقوق الإنسان، الذي كانت له مساهمات مهمّة في وضعها على أيدي شارل مالك.
نعم لم يعد من الجائز أن يبقى لبنان كما كان وكما هو عليه الآن.
لم يعد من الجائز أو المسموح أن يبقى الإنسان في لبنان مهمّشٍا، وألا تكون كلمة الشعب مسموعة.
فقرار التغيير يبدأ من الشعب المنتفض والثائر والرافض هذه الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذا الدرك، والتي هجّرت أبناءها من وطنهم.
فالغربة تبقى غربة عن وطن الآباء والإجداد حتى ولو كانت في الجنة.
فيا حكّام لبنان إعتبروا وأتعظوا قبل فوات الآوان.