بخلاف التوقعات التي سبقتها ومهّدت لها، لم تُفرِز زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى لبنان مبادرة قطريّة جديدة لحلّ الأزمة اللبنانية، وفقًا لطريقة "مؤتمر الدوحة" الذي رعته العاصمة القطريّة في أعقاب أحداث السابع من أيار 2008، وأنتج "تسوية" استمرّت ارتداداتها لسنوات.
على العكس من ذلك، "تعمّد" الضيف القطريّ أن ينفي، في تصريحاته إلى الصحافيّين بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، وجود أيّ "توجّهٍ عمليّ" لجمع القادة اللبنانيّين في مؤتمرٍ جديد، من شأنه التأسيس للمرحلة المقبلة، أو حتى طرح أيّ "مبادرة" على الطاولة، وإن حرص في الوقت نفسه، على تأكيد "ثابتة" أنّ اللبنانيّين مرحَّبٌ بهم في أيّ وقت في الدوحة، في رسالةٍ أرادها "مبدئيّة" بشكلٍ أو بآخر.
وإذا كان وزير الخارجية سعى، من خلال مختلف اللقاءات التي عقدها في بيروت، إلى تأكيد دعم قطر الثابت للبنان، ووقوفها على مسافة واحدة من جميع مكوّناته، فإنّ علامات استفهامٍ طُرِحت بالجملة عن الأهداف والخلفيّات الحقيقيّة للزيارة، التي بدت نتائجها دون سقف التوقعات، أو ربما الطموحات، والتي لا يمكن حصرها في الجانب "الإنسانيّ" كتلك التي جرت بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت مثلاً.
"دور مكمّل"
يتحدّث العارفون عن أسبابٍ عديدة دفعت القطريّين إلى عدم وضع مبادرةٍ جديدة على الطاولة في هذه المرحلة، رغم الجمود السياسيّ الذي يشهده الواقع اللبنانيّ، المشتَّت بين "وساطاتٍ" و"مبادراتٍ" اصطدمت بمجملها بعُقَدٍ وشروط متبادَلة، ولو أنّ "حركةً" دوليّة لافِتة رُصِدت على الخطّ في الأيام القليلة الماضية.
ولعلّ ما قاله وزير الخارجية القطري نفسه عن دورٍ "مكمِّل" تلعبه قطر يختصر السبب الأول، إذ إنّ القطريّين لا يسعون إلى "نسف" الجهود الدوليّة المبذولة أصلاً لحلّ الأزمة اللبنانية، وعلى رأسها المبادرة الفرنسيّة التي يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعادة "إحيائها" من جديد، و"إنعاشها" بكلّ السُّبُل المُتاحة، علمًا أنّ المعلومات المتوافرة تؤكده استعداده لطرح الملفّ اللبنانيّ خلال زيارةٍ قريبة إلى المملكة العربية السعودية.
وإضافة إلى ذلك، فإنّ قطر المتمسّكة بالمصالحة الخليجيّة التي أنجِزت الشهر الماضي، تريد "تنسيق" أيّ تحرّكٍ لها في لبنان في هذه المرحلة، مع شركائها الخليجيّين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، علمًا أنّ تزامن زيارة الوزير القطري مع الحراك الذي بدأه السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري لا يمكن أيضًا أن يكون "محض صدفة"، وإنما يتماشى مع منطق "التكامل" العربيّ والدوليّ الضروريّ على خطّ الأزمة اللبنانيّة.
"جسّ نبض"
لكن، إذا كانت كلّ العوامل السابق ذكرها، دفعت قطر إلى "التريّث" في إطلاق أيّ مبادرةٍ جديدةٍ في لبنان، طالما أنّ المبادرات المطروحة أصلاً على الطاولة لم تُستنفَد بعد، فإنّ ذلك لا يعني أنّ "الفكرة" غير موجودة البتّة في "أجندة" القطريّين، وفق ما يقول عارفون، وإلا لما كانت الزيارة تمّت من الأساس، ولا سيّما في هذا التوقيت الذي بدا "منسَّقًا ومنظَّمًا" إلى حدّ بعيد.
ويرى المطّلعون على كواليس الاتصالات الجارية أنّ الزيارة القطرية يمكن أن توضَع في خانة "جسّ النبض"، إن جاز التعبير، على شاكلة الحراك السعوديّ "الاستكشافيّ والاستطلاعيّ"، باعتبار أنّ الدوحة التي تسعى لاستعادة دورها الإقليميّ على وقع المصالحة الخليجيّة، تجد في الساحة اللبنانيّة بوابة انطلاقٍ ربما تكون "مثاليّة"، في ضوء التجارب السابقة التي أثبتت جدواها، بعدما تحوّلت مقولة "شكراً قطر" إلى شعارٍ رائج في الداخل اللبنانيّ.
لكن، في مقابل الاعتقاد بأنّ هذا الدور القطريّ قد يلقى "مباركة" من شركاء قطر الخليجيّين، وحتى فرنسا التي تكاد "ترفع العشرة"، وهي بدأت بطلب "النجدة" من الدول العربيّة، ثمّة من يرى أنّ قطر لا يمكن أن تُقدِم على أيّ خطوة من هذا النوع ما لم "تضمن" سلفًا توافر كلّ مقوّمات النجاح، خصوصًا أنّ تجربة المبادرة الفرنسية لا تبدو مشجّعة، بعدما تصدّى ماكرون شخصيًا لقيادتها، فمُني بخيبة أمل من القادة اللبنانيين، ارتدّت عليه سلبًا في الداخل الفرنسيّ.
يتحدّث البعض عن سباق بين "التعريب والتدويل" على خطّ الأزمة الحكوميّة اللبنانيّة، تمامًا كما حُكي كثيرًا في السابق عن "تنافس" بين الولايات المتحدة وفرنسا، تحوّل "تكاملاً" مع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. لكن، وبمُعزَلٍ عن حقيقة "النوايا" العربيّة والدوليّة، والتي تتباين حولها الآراء، يبقى الأكيد أنّ "اللبننة" هي مفتاح الحلّ، علمًا أنّ وزير الخارجيّة القطريّ ألمح صراحةً إلى ذلك، حين تمنّى أن يكون الحلّ في لبنان أولاً...