تتّجه الأنظار إلى الخطاب الذي يفترض أن يلقيه رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري الأحد، في ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، والذي يفترض أن يرسم "ملامح" النتائج التي أفرزتها جولته الخارجيّة الأخيرة، والتي توّجها بلقاء الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه.
وإذا كان تفشّي فيروس كورونا فرض على تيار "المستقبل" إلغاء المهرجان المركزيّ الذي اعتاد أن ينظّمه في الرابع عشر من شباط من كلّ عام، فإنّ كلمة الحريري، التي سيقتصر إحياء الذكرى عليها، ينبغي أن تكون "كافية ووافية"، علمًا أنّها تأتي بعد استعادة "الزخم" على خط بعبدا-بيت الوسط من خلال اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية ميشال عون ظهر اليوم بعد قطيعة طويلة.
ويقول العارفون إنّ كلمة الحريري هذه سترسم بوضوح "مسار" المرحلة، ومآل الحِراك الخارجيّ المكثَّف الذي رُصِد على خطّ بيروت منذ نحو أسبوع، فإما تعبّد الطريق أمام "تهدئة" من شأنها التمهيد لتوافقاتٍ حكوميّة سريعة، وإما تثبّت أجواء "التشنّج" القائمة أصلاً،فتُبدِّد كلّ آمالٍ بانفراجٍ حكوميّ قريب يدفع الفرنسيّون خصوصًا باتجاهه، وهو ما أوحى به الحريري بعد لقاء عون، حين نفى حصول تقدّم.
إيجابيّة ولكن!
لا شكّ أنّ الحريري سينطلق في خطابه من نقطة "قوّة"، بعدما نجح في "تتويج" جولته الخارجيّة بلقاء الرئيس الفرنسيّ، بعدما حاول الكثير من خصومه "تسخيف" الزيارات التي يقوم بها و"شخصنتها" إن جاز التعبير، باعتبار أنّها لم تُفرِز أيّ لقاءٍ رسميّ يمكن البناء عليه، حتى أنّ هناك من استبق لقاء ماكرون بنفي أن يكون مطروحًا على "الأجندة".
ومع أنّ التسريبات عن اللقاء والنتائج المتوخّاة منه بقيت "خجولة" نسبيًا، وتقاطعت بمجملها حول ما تضمّنه بيان المكتب الإعلاميّ للحريري، والذي اقتصر على "العموميّات"، فإنّ هناك من يصرّ على أنّ مجرّد عَقْد اللقاء يُعَدّ "تقدّمًا"، ويعني أنّ المبادرة الفرنسيّة لا تزال مطروحة على الطاولة، وأنّ الفرنسيّين مُصِرّون على استكمال وساطتهم في لبنان، حتى تحقيق الأهداف المنشودة منها، وتأليف حكومة تتصدّى لورشة الإصلاحات الموعودة.
لكن، هناك في المقابل من يتحدّث عن مؤشّرات لا تدعو إلى الكثير من "التفاؤل"، كتضمين بيان مكتب الحريري عبارة "الصعوبات التي تعترض تأليف الحكومة" ضمن الملفّات التي بحثها الرئيس المكلّف مع ماكرون، وهو ما يدلّ على أنّ النقاط "العالقة" لا تزال تراوح مكانها، وهو ما يعزّزه عدم تحديد الرئيس الفرنسيّ لموعد زيارته المقبلة إلى لبنان، ولو كـ"بدلٍ" عن تلك التي "ضاعت" أواخر العام الماضي، ما يؤكّد أنّ ظروف الحلّ "لم تنضج بعد".
تفنيد للمرحلة...
استنادًا إلى ما تقدّم، يستبعد المتابعون أن يحمل خطاب الحريري المُرتَقَب الأحد، إجاباتٍ وافية على كلّ علامات الاستفهام التي تُطرَح، باعتبار أنّ لا شيء في الأفق يوحي بتغييرٍ حقيقيّ في المعادلة، أو في "اللاءات" التي يطرحها كلٌّ من الفريقيْن المتنازعيْن على خطّ تأليف الحكومة، واللذين يصرّان على رفض أيّ "تنازلات" باعتبار أنّ ما يطالبان به عبارة عن "حقوق بديهيّة"، وفق ما جاء مثلاً في البيان الأخير لمكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية.
وإذا كان الحريري "سيفنّد" في خطابه، كلّ الجهود التي قام بها منذ تكليفه حتى اليوم، في الداخل والخارج لتأليف الحكومة، وستكون كلمته بهذا المعنى عبارة عن "مكاشفة صريحة" أمام الرأي العام، للعراقيل الحقيقيّة التي حالت وتحول دون تأليف الحكومة، فإنّه لا يُتوقَّع أن يدخل في "سجالٍ" جديد مع فريق رئيس الجمهوريّة، وهو ما أبداه في كلمته المقتضبة بعد لقائه عون، والتي كرّر فيها "ثوابته"، بلهجةٍ اتّسمت بالهدوء المعبِّر.
إلا أنّ العارفين يستبعِدون أن يكرّر الحريري، رغم "الليونة والمرونة"، ما شهدته خطاباتٌ سابقة له في الذكرى نفسها، من إعلانٍ عن "تنازلاتٍ تاريخيّة"، باعتبار أنّ الظروف اليوم مختلفة، وتقتضي مقاربة من نوعٍ آخر، فضلاً عن إصراره على تشكيل حكومة "مُنتجة" لا تكون "مشلولة" انطلاقًا من تركيبتها. لكنّهم يؤكدون أنّ الثابت أنّه سيتمسّك بالمبادرة الفرنسيّة بكلّ مقتضياتها، مع مَدّ يده للفريق الآخر، للعودة إلى "جذورها"، طالما أنّ جميع القوى السياسيّة كانت قد دعمتها في المقام الأول.
قد لا يُرتَجى الكثير من كلمة الرئيس الحريري، رغم كلّ الجهود التي بذلها ويبذلها، وفق ما يؤكد القريبون منه، في حِراكه الداخليّ والخارجيّ، من أجل تأليف الحكومة. برأي هؤلاء، فإنّ "كلمة السرّ" للفَرَج الحكوميّ تبقى في قصر بعبدا، بتنازلاتٍ متبادلة، لم يوحِ "خرق" اللقاء الذي احتضنه اليوم، بعد طول انتظار، بقرب حصوله، رغم إيجابيّته الظاهرة...