على وقع وصول سعر صرف الدولار الى 10 الآف ليرة لبنانية، انتفض الشارع اللبناني في أكثر من مكان، لتعود مشهدية قطع الطرقات وحرق الدواليب الى الواجهة من جديد.
ارتفاع سعر الدولار وملامسته الـ 10000 ل.ل، يعيدنا بالذاكرة الى عشية احداث الـ 1985 و 1989. فعلى الرغم من اختلاف ظرفيهما عما نعيشه اليوم، فقد سبق هذين الموعدين المفصليين من تاريخ لبنان الحديث، ارتفاع مماثل لسعر الصرف.
ان هذا الارتفاع الجنوني للدولار، يضع اللبناني امام تدهور كبير في احواله الاقتصادية. فارتفاع الاسعار الذي يبدأ من 200% في حده الادنى، قد لا يتوقف عند نسبة الـ 400%، إذا بقي العناد والاشتباك السياسي على حالهما.
فالحد الادنى للأجور، الذي بلغت قيمته 68 دولارا، بات لا يكفي لشراء القليل من المواد الغذائية.
ففي عملية حساب بسيطة، وان افترضنا ان عائلة لبنانية مؤلفة من 5 اشخاص، يتلقى معيلها الحد الادنى للاجور، نستطيع ان نقول انها قادرة على شراء الخبز، السكر، الرز والحليب فقط، من دون اي مواد ومصاريف أخرى.
وهنا السؤال كيف ستتمكن هذا العائلات من الصمود؟ لا بل السؤال الاكبر كيف ستتمكن العائلات التي لا معيل لها من متابعة حياتها؟
ان الحديث عن اموال المغتربين التي تصل الى المقيمين بطريقة متفاوتة، والحديث عن ال Fresh Money نتيجة وجود بعض المنظمات العالمية غيرالحكومية في لبنان، بات غير كاف لمحاولة ترقيع ما افسده النظام المالي اللبناني،
فكيف ستكون وجهة الدولار المتفلت؟ وما هو مصير ارتفاع الاسعار؟
20% من البضائع ارتفعت اسعارها في الايام الاخيرة... والحبل عالجرار
حسب نقيب اصحاب السوبرماركت في لبنان الدكتور نبيل فهد، ان "التهافت على محال السوبرماركت مستمر، التي تشهد تزايدا ملحوظا في اليومين الأخرين، ويعود التهافت الى سبببين اولهما طبيعي ومتوقع متمثل في كوننا في الايام الاولى من الشهر، وبالتالي يحصل الموظفون على اموالهم ويتجهون للتبضع،
اما السبب الثاني، وان كان غيرطبيعي فهو متوقع ومرتبط بشكل مباشر بارتفاع سعر الدولار، اذ انه امام كل ارتفاع تتسارع الناس لشراء وتخزين بعض المواد خوفا من ارتفاع اسعارها بصورة ملحوظة".
وحول مسؤولية السوبرماركت في رفع الاسعار، يؤكد فهد، ان "لوائح الاسعار تصل الى السوبرماركات مباشرة من الموردين اوالمصانع، وبالتالي هم من يحدد اسعار البضائع وليس السوبرماركت. في الايام الاخيرة، مع بداية ارتفاع سعر الدولار حتى بلغ ال10000 ليرة لبنانية، تغيرت وتبدلت من 15 الى 20 بالمئة من اسعار بضائعنا، في حين ان باقي المواد حافظت على اسعارها القديمة التي لا بد لها من ان ترتفع في الأيام المقبلة.
مع العلم ان المواد التي ارتفعت اسعارها تشتمل الاساسية وغير الاساسية وهي متنوعة ومختلفة ما بين غذائية واستهلاكية".
أما عن واقع القدرة الشرائية يرى فهد انه، "على الرغم من استمرار الزحمة في السوبرماركات، فان السؤال يبقىى: ماذا يشتري الزبون؟ و ما هي سلته الحالية؟
الحقيقة ان القدرة الشرائية تدنت بنسبة تتخطى ال50%، وبالتالي فإن المواطن يلجأ الى شراء ما هو ضروري وباختصار شديد، مع التوجه الى المواد ذات الاسعار المتدنية حتى لو كان ذلك على حساب الجودة والنوعية".
وعن المواد المدعومة، اي التي تنضوي تحت ما يسمى (بالسلة المدعومة) يشير فهد الى ان "اسعارها لن تتغير ولن تتبدل ما دام دولارها ثابت على ال 3900 ليرة لبنانية، وهي متوفرة مبدئيا في كل السوبرماركات.
وهنا يدعو فهد اصحاب السوبرماركت الى التقيّد بالقوانين في بيع هذه المواد وعدم العمل على تحديدها، فما تم تداواله بالايام الاخيرة ان بعض المحال تشترط على الزبون ان يشتري بقيمة لا تقل عن ال 150000 ل.ل حتى يستفيد من المواد المدعومة غير اخلاقي وغير طبيعي. كما يدعو السوبرماركات الى اعتماد التقنين في بيع هذه المواد بغاية توزيعها بشكل عادل على كل المواطنين.
وهنا يشير فهد الى ان النقابة لا آلية تنفيذية لها، وبالتالي هي تتمنى وتطلب، ليبقى الدورالرقابي الأول و الأخير للدولة اللبنانية، التي يجب عليها مراقبة كيفية سير الية بيع المواد المدعومة".
وعن مستقبل السوبرماركات في لبنان في ظل الدوامة الحالية، يرى فهد انه " أولا لا بد من الحديث عن مستقبل المواطن لاسيما في مرحلة ما بعد رفع الدعم اذا ما وصلنا اليها. فاليوم يبتعد المواطن عن مجمل المواد غير المدعومة، اذ يمكن ان نلاحظ ان الكثير من انواع الشوكولا والمشروبات بالاضافة الى بعض المعلبات تبقى رفوفها على حالها دون اي طلب يذكر.
وبالنسبة للسوبرماركات، على الرغم من ان اسعارها تتغير مباشرة مع سعر الصرف، الا انها في وضع حرج ان صح التعبير، شأن مختلف القطاعات اللبنانية، والسؤال يبقى هل سيختفي البعض منها من السوق، وهل سيتمكن البعض الاخر من الاستمرار في الشكل الحالي لعمله؟
تبييض أموال ومافيات تتحكم بالسوق
من جهته، وعن الواقع الاقتصادي الذي يشهده لبنان، يرى الخبير الاقتصادي بيار خوري ان "المسار التضخمي الذي عرفناه منذ العام 2019 ما زال مستمرا، لا بل اننا نعيش ذروته".
ويضيف "اننا وصلنا الى مرحلة الفصل ما بين سعر الدولار وسعر البضائع الغذائية والاستهلاكية، فان الدولار، ان تراجع، وحتى ان استقر على سعر 7000 ليرة لبنانية، فان اسعار البضائع لن تتراجع بل ستبقى مرتفعة، وهذا ما تشهده السوق اللبنانية حاليا. فعملية تسعير البضائع مرتبطة بآلية العرض والطلب، والمعادلة اليوم تتمثل في ارتفاع الطلب وتدني العرض، اي ان الناس تتسارع لتخزين مختلف المواد في حين ان عرض التجار يتراجع لعدة اسباب، ابرزها عدم قدرتهم على فتح اعتمادات لاستراد البضائع".
وعن واقع سعر الصرف الحالي ووصول الدولار الى 10000 ليرة لبنانية، يشير خوري إلى " اننا في واقع متفلت من كل الضوابط، والسوق الموازية اي ما يعرف بالسوق السوداء، تتحكم في اسعارها السياسة اللبنانية، لا بل بعض المافيات التي ترفع سعر الصرف وتعمل على تخفيضه، وفقا لغايات واهداف معينة.
فما شهدناه من ارتفاع اخير في سعر الدولار، لا بد له ان يكون مرتبطا بالتعميم ،15 الصادر عن مصرف لبنان، والذي بموجبه قد تحتاج المصارف الى جمع الدولارات من السوق. وفي هذا الاطار، كأن هناك من يسعى لجعل المصارف تشتري الدولار بسعره المرتفع.
في كل الاحوال، لا نعلم اليوم ما هو الدولار الموجود في السوق اللبنانية، اذ ان الواقع الحالي يشكل ارضا خصبة (لتبييض الاموال) ولا قدرة لاحد على التحقق من الدولارات التي يستلمها".
ويختم خوري مؤكدا "ان التوجه الى صندوق النقد الدولي قد اصبح معبرا الزاميا لا مفر منه على الرغم من مرارته وصعوبته. فصندوق النقد الدولي يشكل المدخل الوحيد الذي من خلاله يمكن الحديث عن بداية الخروج من نفق الازمة اللبنانية".