أفراد الجيش والقوى الأمنية كافة هم جزء من الشعب المعذّب والمكتوي بنار الغلاء والإرتفاع الجنوني بأسعار السلع الإستهلاكية المتأثرة ظاهريًا بإرتفاع سعر الدولار في السوق الموازية.
فهم يتأثرون بهذه الفوضى المستشرية التي تعمّ كل أرجاء الوطن وتشمل مختلف شرائح المجتمع، ولهم كما الجميع عائلات تتأثر بالأزمات، وربما أكثر من غيرها، وذلك نظرًا إلى الرواتب المتدنية التي يتقاضاها الذين يخدمون في الأسلاك العسكرية، فضلًا عمّا يقدّمونه من تضحيات عظيمة، خاصة عندما يكونون في مهمات أمنية قد تشكّل خطرًا على حياتهم.
ولأن هؤلاء الأفراد يعانون كما يعاني الشعب، ولأن الوضع قد أصبح لا يُطاق وغير مرضي عنه، ولأن المواطنين نزلوا إلى الشوارع، إحتجاجًا وإعتراضًا، بعدما فقدوا كل أمل في إمكانية أن يكون الحلّ على أيدي هذه الطبقة السياسية الحاكمة، ودفاعًا عن لقمة عيشهم، رأينا أن الجيش لم يتحرّك لإعادة فتح الطرقات بالقوة، ولم يمارس اي نوع من أنواع الحزم، وهذه هي طبيعة عمله من أجل الحفاظ على الأملاك العامة والخاصة عندما تتعرض لأي إعتداء أو اذى.
لم يُعرف أذا ما كان هناك اي قرار على مستوى القيادة بعدم التصدّي للمتظاهرين وتركهم يعبرّون عن المهم، من دون أن يعني ذلك السماح باللعب بالسلم الأهلي والإستقرار العام، وهما من الخطوط الحمر الممنوع تجاوزها، أيًّا تكن الإعتبارات والمطالب المحقّة والمشروعة.
قبل أن تفتح له الطريق إلى بعبدا كانت لقائد الجيش في زمن الحركات الشعبية في 14 آذار العماد ميشال سليمان (الرئيس) "قبة باط"، حيث أعطيت الأوامر للجيش بعدم التصدي للمواطنين وتسهيل أمورهم، وهذا ما ساعد في تعزيز حظوظه بالرئاسة بعد مؤتمر الدوحة، حيث كان عليه شبه إجماع من قبل الأفرقاء المجتمعين، وتمّ إنتخابه رئيسًا للجمهورية في 25 أيار 2008. فهل يكرّر التاريخ نفسه مع العماد جوزاف عون، أم أن ظروف اليوم هي غير ظروف الأمس، خصوصًا أن ثمة مرشحين كثرًا يحاولون عرقلة وصوله إلى بعبدا.
وبغض النظر عن هذه الخلفية التي لها إرتباطات، وفي حينه، بعدّة عوامل داخلية وإقليمية، فإن الأوامر المعطاة للجيش، حتى هذه اللحظة، تؤشرّ إلى أن ثمة قرارًا بإحتواء غضب الناس، أقله من خلال عدم التصدّي لهم وتركهم يعبّرون عما يجيش في قلوبهم، بإعتبار أن التظاهر هو حقّ مقدّس، وهذا ما عبّر عنه الرئيس ميشال عون بالأمس، "وأنّ من واجبات القوى الأمنيّة حماية المتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة وضمان حقّ تنقّل الناس، وهي حقوق مكرّسة في الدستور".
إنطلاقًا من هذه الوقائع، بات على منظمي التحركات الشعبية، إذا سلمّنا جدلًا أن ثمة من يحرّك الشارع، أن يستفيدوا من هذه الأجواء، والعمل على تنقية صفوفهم من العناصر المندسّة والمخربة والمشاغبة، التي تشّوه صورة المتظاهرين الشرفاء، الذين ينزلون إلى الشارع دفاعًا عن لقمة العيش.
ويبقى الجيش الخط الأحمر، ويبقى ايضًا الضمانة للسلم الأهلي، ويبقى الحصن الحصين لجميع المواطنين الذين يرون فيه الملاذ الأخير للحصول على حقوقهم.