يسيقظ اللبنانيون وينامون على اخبار الدولار وجنونه، الذي على ما يبدو لن تنفع معه مهدئات الاجتماعات التي تحتضنها بعبدا من وقت الى آخر، اذ تشكل بحد ذاتها محط انقسام لدى اللبنانيين والمتابعبن.
كما ما يبدو ايضا، أن تحركات الشارع ودواليبه لن تتمكن من ان تخفف من الوتيرة التصاعدية التي تسلكها العملة الخضراء في السوق الموازية.
وما بين بعبدا والشارع والحكومة، والمجلس الذي سيلتأم غدا، تشهد الليرة اللبنانية تدهورا دراماتيكيا، يترك صداه في مأكل ومشرب اللبناني، ولا نعرف ما اذا كان الهواء سيتم تسعيره في القريب العاجل وفقا للدولار وتداعياته.
يؤكد المتابعون ان مسار الخروج من الازمة يكون في تشكيل حكومة "مهمة"، تقوم بالاصلاحات اللازمة وتتفاوض بشكل جديّ مع صندوق النقد الدولي، واي كلام خارج هذه المعادلة يشكل مضيعة للوقت وهروبا الى الامام.
فماذا ينتظر اللبناني خلال هذا الوقت الضائع، وكيف يمكن فهم عملية ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية؟
بين الاستدانة وطباعة الاموال... الازمة تستشرس
حول الواقع الحالي يقول الخبير الاقتصادي بلال علامة "اننا نعيش في قعر الانهيار، لاسيما انه ومن بعد اعلان الحكومة التوقف عن دفع السندات، لم نشهد اي اجراء جديّ لمحاولة معالجة الازمة.
فسعر الصرف في السوق الموازية والذي يمكن ان نقول انه بلغ 8850 ليرة لبنانية كمعدل عام خلال شهر شباط، يصل اليوم الى 10800 ليرة لبنانية، اي انه ارتفع اكثر من 23 % خلال شهر واحد. وخلال شهر آذار، نشهد ارتفاعا يوميا بوتيرة وسطية تبلغ 250 ليرة لبنانية، اي في عملية حسابية بسيطة، اذ استمر الارتفاع على هذا المنوال حتى نهاية آذار، ولم نشهد اي تطور سياسي ايجابي، فاننا حتما مقبلون على ختام الشهر بسعر صرف لا يقل عن 16 الف ليرة لبنانية".
أمام هذا الواقع يرى علامة ان "من هم في سدة المسؤولية غائبون عن ابتداع الحلول، فكل ما يحصل هو مجموعة تصاريح وبيانات بعيدة عن اي خطوة اجرائية صحيحة للجم التدهور والتفلت القائم، لا بل يمكن القول ان بعض القرارات التي اتخذت تسببت في تسريع عجلة الانهيار.
وفي هذا السياق لابد من الاشارة الى ان خطوة زيادة مليون ليرة لبنانية للعاملين في السلك العسكري، ستزيد حتما من وتيرة وسرعة التدهور، اذ ان هناك ما يقارب 130 الف لبناني في القوى العسكرية، اي الزيادة المتوقعة وعلى مدار 6 اشهر ستبلغ ال 730 مليار ليرة لبنانية، وهنا السؤال من اين تأتي الدولة بهذه الاموال؟ اذا لجأت الى الاستدانة، من سيقرضنا في ظل الواقع الحالي، سيضع شروطه الحاسمة لجهة الفوائد التي ستلامس الـ 15%؟
وأضاف: "اما اذا لجات الى طبع العملة، فسنكون امام كارثة جديدة متمثلة في ازدياد نسب التضخم، اذ اننا امام كتلة نقدية تبلغ 33 ترليون ليرة موزوعة في جيوب اللبنانيين وبيوتهم بعيدا عن النظام المصرفي اللبناني".
سياسات مالية وقرارات عشوائية دفعت الى تفلت سعر الصرف
اما حول عملية ارتفاع سعر الصرف، التي بدأت منذ سنة تقريبا ومازالت مستمرة حتى اليوم، فيؤكد علامة انها نتيجة عدة عوامل سياسية ومالية يمكن الاشارة اليها وفقا للتالي:
تثبيت سعر الصرف: وهنا لا بد من العودة الى السياسات المالية التي اتبعها مصرف لبنان، والتي من خلالها استطاع تثبيت سعر الصرف لفترة طويلة من الزمن، عبر تدخله في سوق العرض والطلب، ما ادى الى استنزاف الاحتياطي.
استخدام التدفقات المالية: شهد لبنان منذ العام2013 عجزا كبيرا في ميزان المدفوعات، اذ ان صادرات لبنان لم تتخط 2 مليار دولار في حين ان الاستيراد بلغ حوالي ال 19 مليار دولار، وبالتالي بات لبنان امام عجز سنوي يقارب ال 15 مليار دولار، وهذا العجز عمل مصرف لبنان على تغطيته عبر التدفقات المالية، اي عبر العملات الاجنبية التي كانت تصل اليه.
سلسلة الرتب والرواتب: ان عملية اقرار سلسة الرتب والرواتب والجدول الضريبي في العام 2017، سببت عجزا اضافيا في مالية يقدر بنحو 3 مليار دولار.
خدمة الدين العام : هذه الخدمة المتراكمة منذ التسعينيات و التي ارتفعت بشكل ملحوظ ما بعد العام 2011، لتبلغ اليوم 3 مليار دولار في حين ان الدخل القومي لا يتخطى 20 مليار دولار، اي انها تشكل نسبة 20 الى 30 % من دخلنا القومي.
كل هذه العوامل، ادت الى غياب المدخرات عن مصرف لبنان، وبالتالي غياب قدرته على التدخل في السوق وقدرته على تلبية العملات الاجنبية، مما ادى الى ارتفاع الطلب و تدني العرض، ما نتج عنه ارتفاع سعر الدولار من 1500 الى 10800 اي سعر الصرف الحالي في السوق الموازية.