عقد نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم في مركز النقابة بحضور النائب فادي علامة وأعضاء مجلس الادارة، اعلن خلاله عن اسعار الكلفة الفعلية للخدمات الاستشفائية في ظل تدهوّر الاوضاع الاقتصادية وتسارع ارتفاع سعر الدولار، داعياً إلى "تأليف لجنة طوارئ واعتماد الخطوات السريعة بما يكفل استمرارية التقديمات ويساعد المستشفيات على إبقاء اقسامها مفتوحة امام المرضى، فلا يموت الناس في منازلهم".
ومما جاء في كلمة هارون: "نلتقي اليوم والذعر يملأ قلوبنا خوفاً من المستقبل المظلم الذي لطالما نبهنا من الوصول اليه، ولا سيما بعدما تدنّى الحد الادنى للاجور ليصبح دولارين في اليوم وهو شبيه بما هو في افقر بلدان العالم، والذي أصبح معه من المستحيل المحافظة على مستوى الخدمات الاستشفائية التي تقدمها المستشفيات اللبنانية،والتي كانت تضاهي كمّاً ونوعاً افضل الخدمات في اغنى البلدان.
قد تغيّر كل شىء بشكل لم يكن احد يتصوّره ولو في اكثر السيناريوهات سوءاً، ومع ذلك فإن بعض المسؤولين يحاولون العيش في حالة انكار لهذا الواقع، ولكن هذا لا يزيل المشكلة بل على العكس فهو يجعلها تتفاقم في غياب المعالجات الصحيحة وخصوصاً على الصعيدين الإجتماعي والإنساني.
ان ارتفاع سعر الدولار وتجاوزه الاثني عشر الف ليرة، جعل الكلفة الاستشفائية ترتفع بشكل جنوني بالرغم من الدعم الجزئي الآخذ بالإنحسار لبعض المستلزمات الطبية؛ دعم يشكوالمستوردون انه لا يطبق وفق ما هو متفق عليه مع مصرف لبنان. أضف الى ذلك الكثير مما هو غير مدعوم او اصبح مؤخراً غير مدعوم ومنها قطع الغيار اللازمة او ذات الصلاحية المحدودة لإصلاح المعدات وإبقائها في خدمة المرضى،مماجعل العديد من المستشفيات عاجزة عن صيانة معداتها بسبب التكلفة التي لا يمكن تأمين ثمنها نقدا بالدولار او وفق سعره في السوق السوداء، كما ان غالبية التجار والمستوردين توقفوا عن قبول الشيكات لتسديد فواتيرهم، بل يصرّون على تسديدها بالعملة النقدية وفوراعند تسليم البضاعة. وهذا امر يستحيل على المستشفيات تلبيته لأن معظم مقبوضاتها تتم عبر تحاويل الى حساباتها في المصارف، وبالعملة اللبنانية.
على كل حال، لقد اعددنا دراسة مفصّلة وزّعناها عليكم وهي تشرح بشكل واضح ارتفاع عناصر الكلفة مع ارتفاع سعر الدولار من 1500 ل.ل الى 9500 ل.ل لحين إعداد الدراسة والى سيناريو الـ12500 ل.ل. كما هو الواقع قبيل نهاية الأسبوع المنصرم الا ان اليوم الدولار 15.500 ل.ل.
لقد ارسلنا كتبا الى جميع الجهات الضامنة الرسمية نطالب فيها بتعرفة جديدة مبنية على دولار بقيمة 3900 ل.ل أي سعر المنصة الرسمي كحد ادنى، بالرغم من ان الدراسة تظهر انه يجب احتسابها على اساس 4635 ل.ل أو 6086 ل.ل. وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق الموازية، الا ان الأجوبة التي تلقيناها كانت ان هذا غير وارد لأن اوضاعها المالية لا تسمح بذلك. إن هذه الدراسة تحاول مواكبة الظروف بعدما وصل سعر صرف الدولار الى ما وصل اليه ولكن تبقى العبرة إن اجوبة الجهات الضامنة معروفة سلفاً وهي نفسها بغض النظرعن الأرقام.
هذا يضعنا امام معضلة كبيرة؛ فالدولة اذا عاجزة عن تأمين تكلفة استشفاء المواطنين، والمستشفيات عاجزة عن متابعة تحمل الخسائر اذا ما هي استمرت على تعرفات مبنية على اساس دولار يساوي 1500 ل.ل.
هل ان الازمة السياسية التي يعيشها البلد لا تسمح بايجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية ؟ اذا كان الأمر كذلك فان المسؤولية لا تقع على المستشفيات بل على الدولة المتلّهية بالصراع على الوزارات بدل ايجاد الحلول للقضايا التي تهم الناس.
القول بان المواطن يجب الا يتحمّل اعباء اضافية لا يكفي، بل يجب على المؤسسات الضامنة تغطية التكاليف الإضافية كي تتمكن المستشفيات من الاستمرار في تقديم الخدمات ، الأمر الذي يبدو انه اصبح متعذراً.
ان دعوة المستشفيات للالتزام بالتعرفات الحالية لا يراعي الواقع، ولو كان هذا الامر باستطاعتنا لما كنا تأخرنا. انه طلب تعجيزي وتطبيقه مستحيل والكل يعرف ذلك، وخصوصاً في ظل ما نلاحظه من توّقف لعدة خدمات لدى العديد من المستشفيات نظراً لعدم إمكانية تمويل استمرارها.لم يعد ينفع تهديد الجهات الضامنة بفسخ العقود مع المستشفيات اذا حمّلت المريض جزءا من الفاتورة او اذا لم تستقبله بسبب عجزها عن تأمين الادوية والمستلزمات. فهذه التهديدات سوف تؤدي الى اقفال معظم المستشفيات والمتبقي منها سوف يصبح حكرا على الاغنياء. نعم، إن الأمر بهذه الخطورة ولا مبالغة فيه. فالقطاع الاستشفائي انهار مثله مثل باقي القطاعات اما الفرق فهو ان انهياره يؤدي الى وفاة الناس في بيوتها.
لقد لاحظنا خلال الاشهر الماضية ازدياد عدد المرضى الذين يأتون الى المستشفى وهم في حالة صحية متدّهورة حيث كان يجب ان يأتوا قبل ان يصلوا الى هذه الحالة. هذا دليل انه لم يعد لديهم القدرة على تسديد حتى المساهمة الجزئية التي تحددها الهيئات الضامنة.
والمؤلم في الأمر، ان الدولة عاجزة تماما، وفق ما نسمعه، عن مواكبة ارتفاع كلفة الاستشفاء. حتى ان الدعم الذي يقدمه المصرف المركزي الى المستوردين متعثر مما دفع بهم الى استيفاء ثمن بعض السلع المدعومة نقدا بالدولار. كما ان السلع غير المدعومة، وبعد وصول سعر الدولار الى 13000 ل.ل، اصبح من المتعذّر على المستشفيات شراؤها.
حيال هذا الواقع، اننا نشعر بالذهول لما وصلت اليه الاحوال بعدما كان لبنان مستشفى الشرق.
لم يعد يفيد ان يتصرّف المسؤولون في الدولة وكأن الامور يمكن ان تسير بمعالجات سطحية.
ان الأمر يستدعي فورا اجراءات استثنائية، وربما التوّجه الى المؤسسات الدولية، ومنها من اجرى اتصالات معنا، لتأمين القروض اللازمة للجهات الضامنة كي تتمكن من تغطية نفقاتها، وذلك في ظل العجز المعلن للدولة.
نتوّجه الى معالي وزير الصحة من اجل تأليف لجنة طوارىء فوراً ممن يراه مناسباً لدراسة ما يمكن عمله في هذه الظروف العصيبة التي تحتاج الى تضافر جهود الجميع وتفاديا للوصول الى الاعظم. فالناس اصبحت تتقاتل على كيس الحليب في السوبر ماركت فما بالكم ماذا تفعل اذا لم تعد تحصل على العناية الطبية ؟
مرة جديدة وربما الاخيرة نقول: اللهم اني بلغت".
وفي نهاية المؤتمر جرى حوار رد فيه النقيب هارون على اسئلة الصحافيين فأكد ان "لغة التهديد لم تعد تنفع وفي حال طبقت النتيجة الحتمية ستكون اقفال معظم المستشفيات والتي ستستمر ستكون حكراً على الاغنياء".
كما لفت الى ان "هناك نقصاً هائلاً في عدد الاطباء والممرضات الذين يهاجرون حيث انه حسب نقيبة الممرضات والممرضين، خلال سنة، سجلت هجرة الف ممرض وممرضة مع العلم اننا قبل الازمة كنا نعاني من نقص في هذا القطاع".
وقال "نحن بدون مساندة المنظمات الدولية الانسانية عاجزون عن الاستمرار".