قرار رفع سعر صفيحة البنزين 4200 ليرة بيوم واحد والمازوت 3300، سبقته صباح الأربعاء مسرحية مشوّقة، أبطالها وزارة الطاقة والمعنيّون في القطاع. فصول المسرحية بدأت بتأخير إصدار جدول أسعار المحروقات الدوري، تلته مشهدية إقفال معظم محطّات الوقود على الأراضي اللبنانية بانتظار أن تصلها الأسعار الجديدة، وفي الوقت الفاصل عن إنتهاء اجتماع ممثلي القطاع مع وزير الطاقة، عمد أحدهم إلى تسريب خبر رفع أسعار البنزين 5000 ليرة دفعة واحدة، انتشر الخبر بسرعة البرق عبر غروبات الواتس آب، فأدّى غاية المسرّبين منه، بتمرير الزيادة بالحد الأقصى للسعر لامتصاص نقمة المواطن تدريجيًا عندما يصدر الجدول بسعر أقل مما ورد في التسريب.
قبل إصدار الجدول وما رافقه من تشويق مشبوه، كان وزير المال غازي وزني قد قام بالواجب أيضًا، وبشّر اللبنانيين عبر وكالة "بلومبرغ"، وهو شبه المقاطع للإعلام المحلي، "أنّ لبنان سيتّجه إلى تقليص دعم المواد الغذائية، وسيزيد أسعار البنزين تدريجياً لتوفير الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة".حسنًا فعلوا جميعًا، فكلّ همّهم أن لا تصدم الحقيقة المرّة الناس الموجوعة يأسًا وقهرًا، لذلك عمدوا إلى التخفيف من وقع الصدمة بأن مهّدوا للآتي الأعظم.
في الواقع، أخذ البنزين "رهجته وزيادة" عبر وسائل الإعلام، التي ركّزت على ارتفاعه بمعدل 4200 ليرة، في حين أنّ زميله المازوت لم يأخذ حصّته في مقدّمات النشرات الإخبارية والتقارير، علمًا أنّ لإرتفاع سعر المازوت نتائج تفوق بتداعياتها الكارثيّة إرتفاع سعر البنزين.
وفق الخبير الإقتصادي انطوان سعادة في حديث لـ "لبنان 24"، تدخل مادة المازوت في الغالبية العظمى من الصناعات والقطاعات. في السياق يلفت سعادة إلى أنّ البنزين يؤثر في تنقّلات المواطنين، وفي نقل البضائع بشكل بسيط، أمّا المازوت فتأثيره أشمل، لأنّ الآليات التي تنقل البضائع من الطحين إلى المواد الغذائية والإستهلاكية والخضار والفواكه تعتمد على مادة المازوت، كما أنّ المازوت يدخل في عمل الأفران والمعامل والتدفئة ومولّدات الكهرباء والمستشفيات، وفي تسعير الخضار والفاكهة، لأنّ المزارعين يستخدمون المازوت في عمليات ريّ مزروعاتهم عبر الموترات، على سبيل المثال يدفع أحد المزارعين 600 ألف دولار لريمزروعاته من البطاطا بحدود 3 مليون متر. وبالتالي ارتفاع سعر هذه المادة يؤثر بشكل كبير على المستهلك الضعيف بشكل خاص، الذي بات يمثّل 85% من اللبنانيين.
أضاف سعادة "المازوت ثاني المياه، حذاري رفع سعره أكثر، ولو اضطرت الدولة للتسوّل يجب أن تحافظ على حدّ أدنى من ثبات السعر ، لأنّ كلفة رفع الدعم عنه ولو بنسبة 5% باهظة على صعيد طبع العملة، والتي ستكون أعلى بكثير من بقاء الدعم بهذه النسبة، فضًلا عن جنون أعظم سيصيب أسعار المواد الغذائية وفواتير المولّدات الكهربائية وغيرها الكثير".
المصيبة الأكبر أنّ الإرتفاع الكبير بأسعار المحروقات حصل بظل دعم مصرف لبنان وتأمينه الدولارات لشراء المحروقات، فكيف الحال بعد أن يدخل رفع الدعم حيز التنفيذ؟
في تبريرها للقفزة الجنونية هذه، أصدرت المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة بيانًا، أوضحت فيه أنّها قامت بدراسة علمية وموضوعية ترتكز الى مؤشرين: الاول سعر النفط عالمياً؛ والثاني يرتبط مباشرة بالارتفاع الحاد لسعر الدولار الأميركي؛ حيث يلزم مصرف لبنان من خلال التعميم الصادر عنه تأمين 10% من القيمة الكلية للسعر النهائي بالدولار الأميركي بالسعر الحالي السائد في السوق. "علمًا أنّ ممثّل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا، كان يتحدث عبر وسائل الإعلام أنّهم ملزمون بتأمين من 10 إلى 15% من السوق الموازية وليس 10% كما ورد في بيان الوزارة، فكيف لا يُعرف الرقم بالتحديد الذي تدفعه الشركات من السوق الموازية؟"
إذن جدول الأسعار تمّ تحديده بناءً على مؤشر من اثنين، وهو دولار السوق الموازية، علمّا أنّهم أصدروا الجدول عندما كان الدولار بحدود 14000 ، ولكنّه عاد وانخفض ليلًا إلى 13000 وما دون، أكثر من ذلك،يعتبر سعادة أنّهم بنوا أسعارهم بناءً على دولار 15000.
في حال لم تنجح الوساطة الروسية بتسوية حكومية، سيرتفع سعر الصرف، ومعه أسعار المحروقات، خصوصًا أنّ سعر برميل النفط عالميًا يشهد ارتفاعًا "في حال رفعوا الدعم بنسبة 5% سترتفع صفيحة البنزين ما بين 10 و15 ألف، بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية في حينه، ما إذا قفز الدولار إلى عشرين ألفًا ستقفز صفيحة البنزين إلى سبعين ألفًا".
إرتفاع أسعار المحروقات من شأنه تهديد الأمن الإجتماعي والغذائي، كما أنّ بقاء الدعم بالطريقة نفسها سيجعل ما تبقى في محفظة المركزي يُستنزف في عمليات التهريب خارج الحدود، والحلّ الوحيد في تأليف حكومة قادرة على وقف عجلات الإنهيار.