يدرك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري المعنيان على خط التماس الحكومي أنه مهما حاولا تخفيف الاصطدام السياسي والاعلامي ، فإن إعادة لملمة ما انقطع بينهما أصبح خارج السياق في الوقت الراهن. فأزمة الثقة بينهما سوف تنفجر عاجلاً أم آجلا، خاصة وأن رئيس الجمهورية لا يخفي أمام زواره أنه يفضل الذهاب إلى تكليف شخصية أخرى غير الحريري لتأليف الحكومة، ويواظب في إطلالاته وبياناته على الزعم أن مكمن العقدة في بيت الوسط وأن ما يطالب به يستند إلى احكام الدستور وصلاحياته وأهمية الميثاقية وإلى تأليف حكومة من اختصاصيين تكون قادرة على مواجهة الوضع المالي والاقتصادي وتذهب بالتحقيق الجنائي المالي حتى النهاية من اجل محاسبة من أوصل البلد إلى هذا الدرك في حين ان الحريري وبعض القوى السياسية تعطل التدقيق الجنائي وتعرقل إنجازه.
كلمة الدقائق الأربعة للرئيس عون مساء الأربعاء حملت في سطورها القصيرة إحراجا للرئيس المكلف عبر دفعه إما للاقدام على التأليف وبالتالي تجاوز الحالة الانتظارية، وإما الاعتذار، على اعتبار مصادر مطلعة لـ"لبنان24" أن الكلمة المختصرة للرئيس عون كانت موجهة وهدفت إلى كسر السياق النمطي الضاغط عليه وعلى تياره، وذلك من خلال تحميل الحريري المسؤولية بعيدا عن تراشق البيانات. فالأخير وفق المصادر نفسها، لا يبالي بما يمليه عليه الدستور ويحاول الايحاء أن جولاته الخارجية تصب في مصلحة لبنان، في حين أن همه الأساس الحصول على"عفو" سعودي يبدو أنه غير متوفر، ربطا بأن المملكة غير معنية بمسار التأليف، وهي تتعاطى مع الواقع الراهن في لبنان كما تعاطت في الفترة السابفة إبان التسوية الرئاسية بين عون والحريري.
لم يحمل لقاء الخميس بين عون والحريري أي جديد يبنى عليه ليوم الاثنين المقبل، وصورة الاجتماع الايجابية ليست إلا لقاء من أجل اللقاء، فلا فرصة يمكن انتهازها. الرئيس المكلف الذي سيخوض المعركة حتى النهاية، أعاد التأكيد على تشكيلة الـ 18 وزيرا من دون ثلث معطل لأي فريق، فضلا عن أن اللقاء أعاد البحث في توزيع الحقائب لا سيما الأساسية و السيادية منها وتسمية الوزراء الاختصاصيين ، علما أن الحريري أقله حتى الساعة، لا يبدو أنه في وارد التراجع عن حقيبة الداخلية ، ليأتي الرد الرئاسي مطابقا لردود الرئيس عون السابقة خلال الاجتماعات ال 16 التي حصلت بينه وبين الحريري، فأصر على دوره بتمسية الوزراء المسيحيين حفاظا على الميثاقية الملزمة في ظل عدم مشاركة تكتل لبنان القوي والجمهورية القوية في الحكومة.
ربط النزاع لأيام ثلاثة سيكون محكوما بمساعي المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي عاد يوم أمس على خط التواصل بين المقار الرسمية، خاصة وأنه كان قد نقل إلى الحريري طرحا من الرئيس عون يقوم على تأليف حكومة من 18 وزيرا وتكون حقيبة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية، لكن الخلاف حصل حينذاك على الأسماء، حيث رفض الرئيس عون شرط الحريري بأن يسلمه خمسة أسماء ليختار اسماً من بينها.
إذا الإيجابية محكومة بتطورات ومستجدات الأيام المقبلة، فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أكد أننا "قبلنا حكومة اختصاصيين ولن نتراجع"، وجه نصيحة للحريري أمس فطالبه بإعادة النظر بطبيعة الحكومة وماهيتها وهويتها، وذلك بأن تتشكل حكومة تكنو-سياسية وعدم السماح لأي طرف بالهروب من المسؤولية، أو أن يقف على التل، لأن بكل صراحة، اذا لم تحم القوى السياسية حكومة الاختصاصيين فلن تصمد". وجدد مطالبته الرئيس المكلف بالـ "تحدث إلى كل القوى قبل الاثنين لكي يتحمل الجميع المسؤولية". وعليه فإن كلام الامين العام لحزب الله يحمل الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الحزب إلى الحديث في هذا التوقيت بالذات عن حكومة تكنوسياسية، خاصة وأن إطلالات السيد نصر الله السابقة لم تأت على طرح كهذا، رغم أن الظروف الاقتصادية والمالية والمعيشية المتردية ليست وليدة الأمس وارتفاع سعر صرف الدولار ليس حدثا مفاجئا.
في نهاية المطاف، الأكيد ان الحكومة سوف تتشكل رغم ان الموعد لا يزال مجهولا، والا البلد ذاهب نحو الانفجار الاجتماعي، عطفا عن ان القوى السياسية قد لا تكون قادرة على شراء المزيد من الوقت، خاصة وان الضغوطات الأوروبية وتحديدا الفرنسية التي عادت لتطل برأسها من جديد مع تأكيد مصادر دبلوماسية ان سيف العقوبات على السياسيين اللبنانيين سوف يسلط قريبا جدا، وان المعنيين على خط التأليف أعطوا مهلة قصيرة لا تتجاوز نهاية الشهر الحالي لتشكيل الحكومة، والا التعاطي الأوروبي سيكون مختلفا، وفي السياق، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، امس، إنه سيدفع من أجل تبني نهج وأسلوب جديد في الأسابيع المقبلة فيما يتعلق بلبنان بالنظر إلى أن الأطراف الرئيسة في البلاد لم تحقق تقدما على مدى الأشهر السبعة الماضية لحل الأزمتين الاقتصادية والسياسية.