أصدر المجلس السياسي لـ"التيار الوطني الحر" بعد إجتماعه الدوري إلكترونياً أمس بيانًا ضمّنه سبع نقاط، تمحورت حول ما سمّاه المجتمعون "الحركة الإستعراضية" التي قام بها الرئيس المكّلف سعد الحريري في القصر الجمهوري "بحثًا عن شعبية إنتخابية".
يرى "التيار" أن العودة إلى الأصول الميثاقية والدستورية "هي السبيل الوحيد لتأليف أي حكومة من أي نوع كانت".
لمناقشة هذه النقطة بالسياسة، وليس من منطلق إستهداف أحد معين أو الدفاع عن الآخرين، الذين لا يتفق معهم "التيار" اليوم، وكانا على توافق تام بالأمس، يوم كانت التسويات الثنائية هي المسيطرة، ولو على حساب أي مكوّن آخر، بل من منطلق بحثي موضوعي بحت.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، وفي شكل بديهي، وهو الذي يدور في رأس أغلبية اللبنانيين الذين يريدون أن تتشكّل حكومتهم اليوم قبل الغد، يتمحور حول غاية المواقف "العنترية"، التي تصدر بين الحين والآخر عن هذه الجهة أو تلك. فلو كانت الأهداف المشتركة بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" هي نفسها اليوم كما كانت بالأمس ألم تكن الحكومة قد ولدت بعد اسابيع قليلة من التكليف؟
سؤال مشروع، وهو برسم التيارين المختلفين، اللذين يتوقف عندهما مصير الحكومة والبلد الواقف على "صوص ونقطة" على حافة المهوار.
فإذا كانت "الحركات الإستعراضية"، التي يقوم بها الرئيس الحريري، كما يقول "التيار"، هي التي تؤخّر قيام حكومة اصبحت مطلوبة دوليًا كما هي مطلوبة داخليًا، فإن "الحركات الإستعراضية" للوزير السابق جبران باسيل موازية، إن لم نقل أكثر من "حركات" الحريري، وهذا الأمر لا يحتاج إلى كثير من العناء لإثبات صحة ما نقول.
بالأمس إتفق الفريقان المعنيان بالأزمة الحكومية مباشرة فكانت النتيجة إقصاء للآخرين وإستئثارًا بالسلطة وإمعانًا في تجاوز حدود هذه السلطة.
أما اليوم فإن حلفاء الأمس مختلفان، وهذا ما يقود البلد إلى المجهول المعلوم. فإذا إتفقا مصيبة. وإذا إختلفا فالمصيبة تكون أكبر.
يتهمّ "التيار" الرئيس الحريري بأنه يريد النصف زائدًا واحدًا في الحكومة "لأنه سيستعمله لمنع الإصلاح وتعطيل التدقيق الجنائي وفرملة كل محاولات محاربة الفساد"، فيما يتهم تيار "المستقبل" النائب باسيل بأنه يريد الثلث المعطّل لتكون له سلطة تعطيلية في مواجهة أي سياسة لا تتماشى مع أهداف خريف 2022، وهو الذي يريد، وفق "المستقبل"، وضع يده على القرار السياسي، من خلال حكومة الثلث المعطل، في حال تكرار تجربة الفراغ الرئاسي، بإعتبار أن هذا الإحتمال وارد عند كل منعطف وإستحقاق دستوري.
كان العماد عون مرشح "حزب الله" الوحيد، ومع ذلك لم يحل الأمر دون إدخال البلاد في فراغ مميت لسنتين ونصف السنة، فكم بالحري إذا كان المرشحون المفترضون لا يدورون في مدار الحزب.
وعندها ربما قد يكون الفراغ دائمًا. وهذا ما يدفع باسيل إلى التمسّك بالثلث المعطّل حتى ولو تعطّل البلد كله، وحتى لو جاع الشعب كله، ومن بينهم بيئة "التيار الوطني الحر".
في نهاية البيان إشارة إلى "أن الحكومة ستتشكل في نهاية المطاف و"التيار" سيلعب دور المعارضة البنّاءة من خارجها في المجلس النيابي وفي الشارع وسيبقى يلاحقها "بإيجابية" حتى ترضخ لوجوب السير بالتدقيق الجنائي (وبإستعادة الأموال المحوّلة الى الخارج وبالكابيتال كونترول) وبالإصلاحات المتوجبة لوقف الهدر في الموازنة وضبط المداخيل ووقف كل أشكال الفساد في الإدارة وتسكير المؤسسات والصناديق والمجالس المُهدرة لأموال اللبنانيين وسيبقى يصارع لكشف الحقائق حول سرقة أموال المودعين والسياسات التي أدّت لذلك والخطط والحلول لإعادتها"، وهذا يعني بالسياسة أن ثمة بوادر حلحلة تلوح في أفق الإتصالات، سواء تلك المباشرة او تلك التي تُعقد بعيدة عن الأضواء، وتتمحور، وفق أجواء عين التينة، على اثر لقاء الرئيسين نبيه بري والحريري، على إيجاد ارضية مشتركة لمخرج يُعمل عليه من خلال طرح صيغة الثلاثة ثمانات، بعيدًا عن أي طرح آخر، إن من خلال المطالبة بالثلث المعطّل أو النصف زائدًا واحدًا. فهل تنجح جهود "مهندس تدوير الزوايا"، بعدما وصلت الأوضاع إلى ما يخشى منه كثيرون، وهو الإنفجار الكبير؟