وسطَ استمرار الكباش بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، فإنّ حركة السفراء الأخيرة تشيرُ إلى وجود أفقٍ لحلّ ليس ببعيد، أقله على صعيد أزمة التشكيلة الحكومية التي ما زالت تنتظرُ التنازلات. ولكن ما لا يمكن انكاره هو أنّ التباعد بين عون والحريري أصبح كبيراً، وفي حال نجحت المبادرات الدولية لحل العقدة الحكوميّة، فإنّ العراقيل ستواجه مجلس الوزراء بعد تشكيله، والقدرة على تذليلها تتوقف عند قوة الحريري في الصمود وإيجاد الحلول.
ووسط كل ذلك، فإنّ الرئيس المكلف لا يبدو أنه مستعجلٌ للعودة إلى السراي الحكومي في وقتٍ قريب، بل إنه يترقّب وينتظر ما ستصل إليه المبادرات الدولية أولاً، والمبادرات الداخلية ثانياً وأبرزها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وحتى الآن، فإن المواقف بدأت تلين قليلاً من جهة الحريري خصوصاً أنه يؤكد استعداده مناقشة مسألة عدد الوزراء في الحكومة، إلا أنه لم يحسم أمره بعد، ما يعني أن العقدة على هذا الإطار ما زالت قائمة. أمّا في ما خصّ عقدة الثلث المعطّل، فإنها ما زالت تطرح نفسها بقوّة على المشهد الحكومي، وما زال رئيس الجمهورية يُطالب بشروطه من دون أي تنازلات ملحوظة.
وفي الواقع، فإن ما يُحكى عن أن التوجه للبحث عن رئيس حكومة آخر كبديل للحريري من قبل رئيس الجمهورية، يعني أنّ الأخير سيصطدم بالاخفاقات أكثر وأكثر، لان حكومة مجرّدة من القوة لا يمكنها الصمود ومواجهة التحديات، كما أنّ الظروف السياسية والاقتصادية القائمة لا تحتملُ ترف المماطلة والتسويف. وهنا، تقول مصادر سياسية متابعة لعملية التشكيل أنّ "عون ومؤيدوه لا يلاحظون أبداً أن كل هذه الضغوط التي تمارس على الصعيد الحكومة هي معركةٌ لكسب القليل المتناثر وسط خسائر كبرى". وهنا، تسأل المصادر: "على ماذا يُراهن عون؟ على رئاسة الجمهورية لباسيل؟ الأخير احترق.. أيريدُ البقاء في الرئاسة؟ الفراغ أمامنا وعهده سيصبح وراءنا مع الخيبات والنكسات".
وإزاء هذا الأمر، فإن ما يبدو هو أنّ الحريري هذه المرّة سيحقق شروطه في التشكيل وسيكسب الرهان أمام عون، خصوصاً أنه يحظى بتأييد من العديد من الأطراف الأخرى، خصوصاً "حزب الله" حليف عون. ولهذا، فإنّ المبادرات الدولية بحثت في حل العقدة الحكومية، لكنها لم تبحث عن "بديل للحريري"، رغم أن جميع الأطراف الدولية والداخلية تعلم أن الرئيس المكلف على تنسيقٍ مع "حزب الله" ولا يمكنه مجابهته في الداخل، وهذا الاستنتاج أيضاً بات يترسخ لدى دوائر القرار الدولي في لبنان، خصوصاً أن الصمود الأكبر كان لبيئة "حزب الله" في ظل الأزمة الاقتصادية، في حين أن باقي البيئات خصوصاً المحسوبة على الأطراف السياسية الأخرى "بدأت تتلاشى وتصل إلى حد الفقر".
وهنا، كان جوهر التحرك الدولي لتحصين الوضع إذ أنّ باقي البيئات الأخرى باتت تنجرف إلى اقتتال بسبب الجوع، في حين أن الأزمة أظهرت قوة "حزب الله" اقتصادياً في مناطقه. وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية متابعة أنّ "الحزب فاز بالرهان الاقتصادي ضمن شعبه وما اتضح أن الحرب الاقتصادية لم تضعفه بل زادت من قوته مالياً، كما أنّ سياسات أي حكومة قادمة لن تؤثر عليه مهما كان شكلها. وفي الواقع، فإنّ عملية إضعاف بيئة حزب الله ضربَت مختلف اللبنانيين ولم تضرب الحزب، لكن ما حصل هو أن الأزمة الاقتصادية كشفت عن شرخٍ بينه وبين حركة أمل، وهذا الأمر تمت معالجته سريعا وتطويق ذيوله ".
ولذلك، فإن القرار الدولي لمساعدة لبنان يحتاج إلى حكومة جديّة، وسيكون قرار الدول هذه المرة بتكريس الدعم للحريري في حال نفذ الإصلاحات الجدية المطلوبة وفق المبادرة الفرنسية. وفي هذا الاطار، يقول مرجع سياسي:"القرارُ اليوم هو ببقاء الحريري، وعون يضغط باتجاه ورقة ضائعة، خصوصاً أنه لا يمكن لأي شخصية غير سياسية أن تتولى إدارة الحكومة في الوضع الراهن. ولهذا، فإن الحريري سيحظى بدعم الكتل الأخرى في مجلس النواب. أما في حال كسب عون معركة الحكومة في بادئ الأمر، فإنه سيخسرها لاحقاً لان الأطراف ضده، ما يعني انهياراً وراء انهيار".
وفي المحصلة، فإنّ حكومة الحريري القادمة لن تكون مثل حكومة حسان دياب، خصوصاً أنها قد تحظى بدعم داخلي للوصول إلى بر الأمان وسط مسعى دولي لتحقيق ذلك. وحالياً، فإن آفاق المبادرات الدولية ستظهر قريباً مع "نضوج" الجهوزية الاميركية للبت بالملف اللبناني بشكل نهائي، خصوصاً أنّ هذا الأمر يحتاج إلى سياسة واضحة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.