لطالما ردد مطلعون على الأجواء السعودية أن في المملكة نقاش واسع حول ثلاثة آراء بما يخص التعاطي مع الرئيس المكلف سعد الحريري..
الرأي الأول هو تقديم الدعم له، بما يمنحه شيئا من التوازن في العلاقة مع سائر الأطراف لاسيما حزب الله والتيار الوطني الحر، ومساعدته على تشكيل الحكومة التي يريد وفقا لبنود المبادرة الفرنسية.
الرأي الثاني، هو الوقوف على الحياد تجاه عملية التأليف، والتعاطي مع الحريري وفقا لشكل ومضمون الحكومة التي سيقوم بتأليفها، فإذا كانت تحاكي التطلعات السعودية يتم دعمها والوقوف الى جانب رئيسها وإذا جاءت عكس ذلك تنفض المملكة يدها منها.
والرأي الثالث، هو مقاطعة الحريري وعدم التعامل معه، وبالتالي شطبه وشطب لبنان عن برامج الاهتمام السعودي، خصوصا بعدما ثبت بالوجه الشرعي لدى الديوان الملكي علاقات التفاهم القائمة بين الحريري وحزب الله الذي يعمل على توسيع نفوذه ضمن مختلف البيئات اللبنانية.
بعد الاتصال الذي جرى قبل أيام بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتوافق على ضرورة تشكيل حكومة "ذات مصداقية قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض"، يبدو أن السعودية تتجه لاعتماد "الرأي الثاني" في التعاطي مع الرئيس المكلف، لجهة إنتظار إنجاز حكومته ومن ثم الحكم عليها وإتخاذ القرارات سواء بدعمها أو بتجاهلها.
وجاء كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمس ليترجم التوجه السعودي الجديد، وهو أوحى بفصل العلاقات الشخصية عن السياسية، والبدء بالتعاطي الرسمي مع الدولة اللبنانية والوقوف على مسافة واحدة من الأطراف التي ترتبط بعلاقات طبيعية مع السعودية، وهذا ما دفع السفير وليد البخاري الى تلبية دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون للاجتماع به، فضلا عن زيارته مفتي الجمهورية والمفتي الجعفري وشيخ العقل والبطريرك الماروني، وكذلك وليد جنبلاط في المختارة.
وفي الوقت الذي سُجل فيه للسفير البخاري إنتزاع موقف داعم من الرئيس عون للمبادرة السعودية للسلام في اليمن، مع تمنياته بنجاحها، حرص على عدم القيام بزيارة بيت الوسط ولا أي رئيس أو شخصية سنية أخرى، لكي لا يصار الى تفسير الأمر على غير حقيقته لا لجهة دعم الحريري في تشكيل الحكومة أو دعم أي شخصية لتشكيلها بدلا منه.
لا شك في أن الحراك السعودي شكل إستدارة جديدة نحو لبنان، وهو حدد الأطر التي يمكن القبول بها لتشكيل الحكومة لجهة الاختصاصيين غير الحزبيين والسير بالاصلاحات ومكافحة الفساد، من دون تحديد العدد الذي يبدو أن لا مانع سعودي من توسيعه الى 24 شرط عدم حصول أي تيار سياسي على الثلث المعطل.
في غضون ذلك، ما يزال الرئيس عون ينتظر عودة الرئيس الحريري من إجازته للخروج من النفق الأسود وتشكيل الحكومة (بحسب قوله) وعلى قاعدة "أنده عليك"، في حين أن الأمور باتت واضحة الى درجة لا تحتاج سوى الى إسقاط الأسماء على الحقائب الـ24، في حال كانت النوايا صادقة.
ما يجري حاليا هو محاولات جديدة للالتفاف على الصيغة المطروحة للحصول على الثلث المعطل، تارة بتبرؤ الرئيس عون من وزير الطاشناق، والمطالبة برفع حصته المسيحية، وتارة أخرى ببدعة باسيل حول حصول الرئيس المكلف على النصف زائدا واحدا في الحكومة، علما أن هذا النصف يضم وزراء أمل والمردة والقومي وجنبلاط وكلهم لا يلتزمون بتوجهات الحريري، ما يؤكد أن باسيل يصر على وضع العصي في دواليب التأليف حتى وصوله الى الثلث الذي يبقيه على قيد الحياة سياسيا.
هذا الواقع يشير الى أن الخروج من النفق الأسود لا يحتاج الى عودة الحريري فحسب، بل يفرض حصول تغيير في السلوك السياسي البرتقالي، فضلا عن ضرورة الإقتناع بأن الثلث المعطل بات من المستحيلات، في حين يأمل بعض المطلعين أن تكون زيارة باسيل الى فرنسا للقاء المسؤولين هناك، فرصة لغسل دماغ قد ينتج منه غسل قلوب مع الحريري.