تقصّدت دوائر القصر الجمهوري الترويج للكلمة الاخيرة للرئيس ميشال عون، بالتسريب على وسائل الإعلام التي تعتقد انها تمون عليها أوصافًا لهذه الكلمة كمثل "مهمة جدًا"، و"خطيرة"، ومفصلية"، و"ستضع النقاط على الحروف"، و"ستحمّل الجميع المسؤولية"، وما إلى هنالك من تعابير إعتقدنا خطًأ أنها قد اصبحت من "عدّة الشغل" القديمة الطراز ولم تعد تصلح في زمن "السوشيل ميديا"، حيث لم يعد الناس يصدّقون كل ما يُسرّب.
وقبل أن ينشر موقعنا فحوى رسالة رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين ظنّ كثيرون، ونحن منهم، أن ثمة حلحلة ما في الموضوع الحكومي، وأن الرئيس عون سيطلع الرأي العام اللبناني والعالمي عمّا توصلت إليه الإتصالات من نتائج إيجابية، وآخرها المساعي المصرية، لأن الحديث عن "الرسالة الرئاسية" جاء على اثر زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لقصر بعبدا، ليكتشفوا أن الرسالة مخصصّة للحديث فقط عن "التدقيق الجنائي"، فخاب ظنّهم، خصوصًا أن مواقف الرئيس عون لم تتضمّن جديدًا سوى أنها جاءت باللغة المحكية، وهي مواقف سبق أن أدلى بها فخامته في أكثر من مناسبة، على رغم أن جديدها الوحيد تذكير اللبنانيين بـ"الجنرال".
وحيال هذا الواقع أعاد اللبنانيون، في نكاتهم اليومية، طرح السؤال التالي: بيضة الحكومة قبل دجاجة التدقيق الجنائي، أم دجاجة التدقيق قبل البيضة الحكومية، ليكتشفوا أن ما تضمّنته رسالة رئيس الجمهورية، التي وصفتها" دوائر بعبدا" بـ"المهمة" و"الخطيرة" و"المفصلية"، هو كلام في غير أوانه وفي غير موضعه الطبيعي، لأن التدقيق الجنائي يبقى كلامًا فارغًا من أي مضمون حقيقي وفعلي ما لم يكن في لبنان حكومة، وهي الأساس لتكتمل حلقة السلطة بين التشريعية والتنفيذية.
فإذا سألنا جميع المعنيين بموضوع التدقيق الجنائي، فردًا فردًا، عمّا إذا كانوا يؤيدونه أو يرفضونه لجأ الجواب، وبالإجماع، إيجابيًا بالطبع، لأن هذا التدقيق هو لمصلحة الجميع، وبالأخص الذين لا غبار على مسلكيتهم وأدائهم، داخل السلطة وخارجها. فإذا كان أهل السلطة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، جادّين في هذا الموضوع، فإن كل الشعب اللبناني، وبالأخص الذين يقولون "كلن يعني كلن"، سيقفون وراءهم لمعرفة من سرق أموالهم طيلة هذه السنوات. أمّا إذا كان الموضوع مجرد عرض عضلات ومزايدات في غير محلها فإن جميع اللبنانيين سيقفون في المرصاد في وجه أي محاولة لذّر الرماد في العيون، خصوصًا أن حكاية "إبريق زيت الإبراء المستحيل" لا تزال فصولها حاضرة في ذاكرة اللبنانيين، بعدما طوي في الأدراج على اثر التسويات الرئاسية بين الرابية و"بيت الوسط"، والتي أفضت إلى إنتخاب عون رئيسًا للجمهورية.
وإستنادًا إلى أهمية التدقيق الجنائي بالنسبة إلى رئيس الجمهورية، من حيث الأولويات، لماذا لم يُثر هذا الموضوع قبل هذا الوقت، ولماذا تُرك إلى آخر العهد؟ ألم يكن الأجدى أن يبدأ الرئيس عون عهده به قبل أي شيء آخر، ولو فعل في حينه لما كنا ربما وصلنا إلى الكارثة المالية، ولما كان جنى عمر صغار المودعين قد طار بين "حانا ومانا"؟
بكل صراحة نقول لجميع المعنيين ولجميع الذين تأخرّوا في "الفيقة": "لو بدّا تشتّي كانت غيمّت".