لا شكّ في أن شهر رمضان المبارك في لبنان قد حل وسط صعوبات كثيرة، فالبلد يواجه انهياراً تلو انهيار. وفي الواقع، فقد باتت بعض العادات خلال الشهر الكريم حكراً على فئات معينة من الناس، مثل شراء الحلويات والمكسرات وغيرها من اللوازم.
واليوم، فقد بات على العائلة ذات الدخل المحدود التي تريدُ شراء الحلويات الرمضانية، احتساب كل ليرة قبل دفعها لقاء ذلك، لأن الاسعار "نار"، وباتت تقول الأمهات إنه "من الأفضل صنع الحلوى الرمضانية في المنزل بدلاً من شرائها، لأن التكلفة ستكون أقل بشكل أكيد".
وإزاء كل ذلك، فإن قطاع الحلويات ينشط بشكل كبير خلال رمضان، ومن خلاله تسترزق بعض العائلات. أما في ظل ارتفاع الأسعار وتكلفة البضائع، فإن العديد من متاجر الحلويات باتت مهدّدة بالاقفال، وبالتالي خسارة عائلات مورد رزقهم.
صمود وسط المخاوف
في عدلون – جنوب لبنان، تعمل عائلة صغيرة مؤلفة من 5 أفراد على صناعة الحلويات وبيعها. وفعلياً، فإن الفكرة بدأت عام 2014 بعدما عاد صاحب المتجر عباس شحادي (58 عاماً) من السفر ليستقر في عدلون، ويستفيد من مهنته كصانع للحلويات. ومنذ ذلك الحين، أرادت عائلة شحادي الصمود وتوفير مصدر رزقٍ لها عبر هذا القطاع. ويومياً منذ الصباح الباكر، تبدأ معدات التصنيع في محل "الضحى" للحلويات بالعمل، وذلك وسط تقلبات يومية في الأسعار وارتفاع سعر الدولار. وداخل المتجر، تحضر دولت غزالة (45 عاماً) زوجة عباس لتسانده في العمل مع أبنائها فقط من دون وجود أي عمال من خارج العائلة.
ولا تخفي أسرة شحادي مخاوفها من الأوضاع العامة في لبنان، كما أنها تخشى تضرر قطاع الحلويات أكثر وأكثر في ظلّ ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية لدى الناس.
وفي حديث مع "لبنان24"، تقول دولت غزالة إنّ "زوجها يعمد يومياً إلى الذهاب لمحلات البيع بالجملة واستقصاء الأسعار الأرخص من أجل شراء اللوازم الأساسية للعمل"، وتضيف: "إننا نواجه الغلاء الكبير في السوق، ونسعى قدر الإمكان للتوفير قليلاً. كل يوم نرى أن أسعار البضاعة الأساسية قد ارتفع ونضطر للشراء للاستمرار بالعمل، وكل ذلك يؤثر على الربح في سبيل المعيشة. وفي الواقع، فإن الناحية الإيجابية فقط هي أن إنتاجنا وسط كل الغلاء يعود لنا حصراً ويبقى الربح القليل في ظل هذه الأوضاع ضمن العائلة".
ولفتت غزالة إلى أنّ أوضاع الناس باتت تزداد سوءاً، وباتت تلاحظ أن إقبال الكثيرين على شراء الحلويات قد تراجع خصوصاً في رمضان، باعتبار أن الأسعار ازدادت بشكل كبير. وتتابع غزالة: "الكثير من العائلات باتت تستغني عن شراء الحلويات لأنها تريد توفير الأساسيات، الأمر الذي يعني أن نسبة المبيع لدينا انخفضت بشكل كبير رغم تدني أسعارنا وجودة بضاعتنا".
صناعة داخلية وابتكار
وفي حديثها، أشارت غزالة إلى أنه في سبيل مواكبة الأسعار، قام زوجها باستطلاع السوق قبل رمضان، واشترى كمية من المواد الاولية لتأمين سير العمل وخوفاً من قفزة كبيرة في التكلفة مع ارتفاع الدولار.
وتقول السيدة، وهي أم لـ3 أبناء (فضل، ضحى، يوسف) إن زوجها ونظراً لخبرته في مجال الحلويات، يعمد إلى الابتكار وصناعة بعض الأشياء الخاصة بالحلويات من دون أن يشتريها من الخارج جاهزة، وتضيف: "على سبيل المثال، إننا نقوم بصناعة عجينة الشعيبيات وزنود الست والمدلوقة وحلاوة الجبن وأشياء كثيرة. وبذلك، فإننا نستطيع تجنب التكلفة المرتفعة في الخارج، وهذا أمرٌ يساعدنا إلى حد ما على بيع الحلويات بأسعار معقولة نسبياً بالنسبة للناس، خصوصاً في ظل الغلاء".
الاستغلال في الأسعار كبير
ومع هذا، فقد رأت غزالة أن هناك استغلالاً كبيراً في أسعار الحلويات بالكثير من المناطق، وقالت: "نعم، هناك أماكن الإيجارات فيها مرتفعة، وبما إن الإيجارات في منطقتنا رخيصة نسبياً فإن هذا الأمر يجعل الوضع أسهل قليلاً رغم الغلاء الفاحش".
وفعلياً، فإن أسعار الحلويات تتفاوت بين مكان وآخر، فعلى سبيل المثال يُباع كيلو المدلوقة في بـ45 ألفاً بينما في مكان آخر يُباع بـ65 ألفاً، وفي مكان آخر بـ70 ألفاً. كذلك، فإن دزينة "الشعيبيات" تباع في مكان بـ15 ألفاً وفي منطقة أخرى تُباع بـ25 ألفاً، في حين أن هناك أمكنة تباع فيها بـ30 ألفاً.
وإزاء هذا الأمر، اعتبرت غزالة إن "الأسعار المتداولة فيها استغلال كبير للناس"، موضحة إن "المصادر هي نفسها التي تسلم متاجر الحلويات البضاعة والمواد، والمتجر هو الذي يضع التسعيرة التي يريدها، وهذا الأمر لا يخضع لرقابة ويعرض الناس للاستغلال بشكل كبير".
وفي ظل هذا الواقع، تؤكد غزالة أنها مع عائلتها تواجه الظروف الاقتصادية العصبة مثل كل الناس خصوصاً في بلدتهم، وتقول: "إننا نرى المعاناة ونشعر بوجع الناس خصوصاً في عدلون، ولهذا قررنا أن نبيع بأسعار معقولة لكي تبقى الناس قادرة على الشراء".
ولفتت غزالة إلى أن مورد رزقهم تأثر بشكل كبير خلال أزمة "كورونا"، إلا أنه كان هناك إصرار على الاستمرار خصوصاً في ظل تدهور الأوضاع، وذلك لتأمين معيشة العائلة. وتقول: "لقد شجعت زوجي على الصمود، وحياتنا يجب أن تستمرّ".
وختمت: "دور المرأة أساسي في هذا قطاع عملنا، فهو أمرٌ يجعل الناس ترتاح، كما إنني أثق من دوري في الحركة الاقتصادية ويمكنني أن أقدم الكثير في سبيل ذلك ومن أجل عائلتي وسط كل هذه الاوضاع. ومع هذا، فإن وجود سيدة في متجر لصناعة الحلويات يعطي انطباعاً ايجابياً للناس عن النظافة والطعم اللذيذ والاهتمام".