كتب الباحث جميل رعد: لا شك أن المنطقة تعيش حيوية سياسية غير مسبوقة, فتزاحم النفوذ بين الدول المؤثرة على القرار السياسي بأوجّه, فمستوى زيادة الإهتمام بملفات المنطقة بعد الحروب والصراعات التي وصلت إلى حدها الأقصى ألزم كل الأفرقاء بالعالم والإقليم بالبحث عن مسارات سياسية ترسم خارطة المنطقة لعقود من الزمن, فالكل يبحث عن مصالحه وفي النهاية فان الواقعية ستفرض نفسها على الحلول السياسية كما فرضت نفسها عند إشتداد الأزمات.
لبنان خارج الإهتمام الجدي إلا من خلال السياق العام للمنطقة, فكل الدول تنظر إلى هذا البلد الصغير من منطلق مصالحها, مما جعله في هذه المرحلة, في أسوء أزمة يعيشها منذ أيام الحرب الأهلية, فالنخبة السياسية عاجزة لأقصى الدرجات الممكنة وغير قادرة على أخذ أي قرار من دون الرجوع إلى الخارج.
إن الحصانة التي كان يمتلكها لبنان من خلال المهمة التي أسس عليها تلاشت, والتي كانت تتحصن القوى السياسية خلفها إنتهت, فمعالم الإنهيار باتت تطال كل القطاعات من سياسية وإقتصادية و إجتماعية وبشكل توترات أمنية ايضا , حتى لامس الانهيار المؤسسة القضائية مما كشف مستوى الترهل و عمق الأزمة.
فحصانة أي دولة على سيادتها تجاه الخارج مصدرها قوة الدولة بكل قطاعاتها مما يؤهلها إلى فرض معادلاتها وعدم انتظار الإملاءات.
من هنا جاءت مبادرة الرئيس نجيب ميقاتي في بداية الازمة بطرح تشكيل حكومة إختصاصيين مطعمة بوزراء دولة سياسيين, كحلّ ممكن, فتكون المبادرة توأمة ما بين رغبة الخارج وواقعية الداخل. ولكن المكابرة و الإرتهان وعدم التواضع و عدم وجود نظرة وطنية شاملة للقوى السياسية, أوصلت الأمور إلى الحالة الكارثية التي يعيشها البلد.
ما بعد الطائف كان هامش القيادات السياسية واسعا فأصبح الان شبه معدوم وآخر تداعياته عدم قدرتهم على تشكيل حكومة.
إن الأزمة التي يعيشها لبنان لامست جميع القوى السياسية بدرجات مختلفة, فأكثر المأزومين "التيار الوطني الحر" و "تيار المستقبل" (بالمعني اللبناني المارونية السياسية والسنية السياسية). ومع أن بقية القوى مأزومة ايضا ، ولو بنسب أقل ، وهذا ما يجعل قدرة المأزوم على تقديم التنازلات من أجل البلد شبه معدومة لأن الخاسر عادة يتصلب, لعله يحصل على ما يعيد هيبته ويخرجه بشيء ايجابي من أزمته.
فالخارج عنده شروط لدعم أي حكومة, وأي حكومة بدون رضى الخارج ونتيجة الظروف التي يعيشها البلد والأزمة العميقة التي وصلنا إليها، لا يمكن أن تجد مسارها للنجاح. فالدول المؤثرة تريد أثمانا لإنجاح أي دعم للبنان ، وأول هذه الأثمان إعادة تشكيل الواقع السياسي برمّته, بما يتناسب مع مصالحها, لذلك نرى حركة سفراء الدول في المناطق تلامس المجتمع المدني والرأي العام اللبناني كما الجيش ولا تولي إهتماما للقيادات السياسية.
من هنا فان لبنان يعيش خللا بالتوازن فضلا عن ضغف الدولة المركزي وآخر أزماته ما يطرح حول رفع الدعم عن البنزين والطحين والدواء ما سيصيب البلد بنكسة لا أحد يستطيع تقدير نتائجها.
من الواضح أننا نسير بسرعة نحو التفكك والإنهيار و الإصطدام الكبير فتراكم الأزمات والعجز عن إمكانية إنقاذ ما يمكن إنقاذه, وحجم العجز أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من كارثة, فقد دخل البلد في العناية الفائقة إذا لم نقل بالموت السريري ، والخوف أننا أصبحنا ملزمين باعادة صياغة نظامنا السياسي. فأي نظام تأسيسي ينتظرنا و كل القوى عاجزة عن تطوير فكرة إنقاذية للبلد؟
بهكذا معادلات سنصبح بانتظار الخارج الذي سيكون له الرأي الراجح و ضمن موازين القوى الجديد بالمنطقة ولبنان، ومن ضمن الواقعية الجديدة التي تحفظ مصالح الدول وليس مصلحة لبنان الوطنية.