أسبوع حافل بالتحديات ينطلق اليوم محلياً على وقع ارتفاع الحديث عن رفع الدعم وما سيستتبع ذلك من ارتفاع جنوني بأسعار المواد الغذائية والمحروقات، ما خلّف نوعاً من الهلع لدى المواطنين، ودفعهم الى الوقوف بالطوابير أمس أمام محطات البنزين في مشهد بات يتكرر عند كل أزمة.
ووسط كل هذا الخوف المبرر عند المواطن، تقف الدولة متفرجة ولا تضرب بيد من حديد ولا تحرك ساكنا ولا تزال تبحث في البطاقة التمويلية وكيفية تمويلها حيث من المتوقع أن يصبح أكثر من نصف الشعب اللبناني بحاجة اليها.
ذعر رفع الدعم
اذاً، وعلى وقع تزايد المؤشرات الداخلية والتقارير الدولية الدالة إلى اتجاه اللبنانيين نحو انفجار اجتماعي كبير بعد انتهاء شهر رمضان، ربطاً ببدء فقدان السلع المدعومة من الأسواق وتوقف تقديم طلبات الدعم من قبل الشركات المستوردة، بدأ الهلع يتملك المواطنين عند أعتاب الصيدليات ومتاجر الدواجن واللحوم ومحطات الوقود، وسط تأكيد مصادر معنية على أنّ "مرحلة ترشيد الدعم انطلقت وأولى ضحاياها ستكون السلة الغذائية التي "طارت" كلياً من الأسواق، على أن يستمر الدعم "بالقطّارة" في المرحلة المقبلة ليقتصر على بعض المواد الحياتية الحيوية لاستمرار دورة حياة الناس".
وفي هذا السياق، أكدت مصادر معنية بملف الدعم لـ"نداء الوطن" أنّ "رفع الدعم عن مادة القمح أو الطحين المخصص لصناعة الخبز لن يتمّ نهاية الشهر وبالتالي فإنّ سعر رغيف الخبز لن يرتفع كنتيجة مباشرة لترشيد الدعم"، لكنها استدركت بالقول: "إذا ارتفع سعر طن القمح الذي يبلغ حالياً نحو 282 دولاراً واذا ارتفع سعر صرف الدولار فإنّ تسعيرة هذه المواد ستتأثر حكماً، خصوصاً وأن ارتفاع سعر الدولار سيشمل ضمناً أكياس النايلون في صناعة الرغيف". أما بالنسبة إلى المحروقات، وهي المادة الأهم التي لها تأثير على كل المكونات الصناعية بسبب استخدام مادة المازوت في الصناعات المحلية، فإن رفع الدعم لن يحصل بشكل نهائي عنها إنما "سيتمّ تخفيضه لحدوده الدنيا بموازاة إعطاء بطاقة تمويلية للمحتاجين لتخفيض الآثار السلبية الناجمة عن ذلك"، كما أفادت مصادر وزارة الطاقة "نداء الوطن"، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أنّ الوزارة تسعى لتأمين أكبر نسبة دعم ممكنة للرغيف من مصرف لبنان بغية السيطرة على مستوى سعر ربطة الخبز.
وفي ما يتصل بالسلّة الغذائية، جزمت المصادر المتابعة للملف بأنّ "الدعم سيرفع حتماً عنها"، وفي تلك الحالة سترتفع أسعار المواد الغذائية بنسبة نحو 40% كون الدعم في السّلة الغذائية كان يتمّ وفق سعر صرف بقيمة 3900 ليرة للدولار الواحد، وليس 1500 ليرة على غرار المواد الأساسية. وهو ما يشمل ارتفاعاً في أسعار الخضار والدجاج واللحوم والحليب التي شهدت ارتفاعاً قياسياً كبيراً في الأيام الأخيرة، إذ وصل سعر الفروج على سبيل المثال إلى 50 ألف ليرة ومن المتوقع أن يتخطّى الـ100 ألف، وهو السعر نفسه الذي بلغه كيلوغرام لحوم البقر أمس.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"اللواء" أن القصر الجمهوري سيشهد سلسلة اجتماعات من أجل متابعة ملفات تتصل بموضوع رفع الدعم والبطاقة التمويلية في ظل رفض الرئيس دياب انعقاد حكومة تصريف الأعمال.
وقالت المصادر إن الوضع الذي تشهده البلاد يتطلب متابعة فورية لاسيما أن الملف الحكومي يراوح مكانه والانهيار يسابق الوقت مشيرة إلى أن الخطط مفقودة وما يصدر بشأن موضوع رفع الدعم ليس واضحا.
واعتبرت ان القرار النهائي للبطاقة يجب أن يكون مدروسا وواضحا للرأي العام.
وأكدت هذه المصادر إن هناك تفاصيل لا بد من أن تكشف ولا سيما عن المستفيدين منها قائلة أن الوقائع تثبت أن الوضع المتدهور لم تعد تنفع معه أي قرارات.
لكن التطور المفاجئ الذي اخترق مجمل هذا المشهد فتمثل في البيان الذي أصدره مصرف لبنان مساء امس معلنا فيه اطلاق ألية جديدة مع المصارف لتسديد تدريجي للودائع يتم بموجبها دفع مبالغ مقسطة تصل الى 25 الف دولار أميركي بدءا من اخر حزيران. كما اعلن المصرف انه لا يزال يؤمن بيع الدولار للمصارف على السعر الرسمي للمواد الأولية التي قررت الحكومة دعمها .
ورأت أوساط مالية في خطوة المصرف المركزي "هجمة مرتدة على الطبقة السياسية التي تضغط باتجاه صرف المزيد من أموال الاحتياطي الإلزامي لتمويل عمليات الدعم العشوائي"، موضحةً أنّ "هذه الأموال تُصرف أساساً من حسابات المودعين، وبالتالي فمن الأجدى سدادها لهم باعتبارهم أحقّ بها".
ومن جهة ثانية، اعتبرت الأوساط المالية أنّ حاكم المصرف المركزي يسعى من خلال خطوته هذه إلى "احتواء حالة التضخم المفرط (Hyperinflation) المقبلة على البلاد بسبب رفع الدعم، وعليه فإنّ مصرف لبنان وجد نفسه مضطراً إلى رفع مستوى تحرير الودائع، منعاً لاضطراره إلى اللجوء لمزيد من طباعة العملة وزيادة حجم التضخم في السوق النقدي".
الحكومة الى اتجاه حاسم
هذا في الشق الاقتصادي، اما في ما يتعلق بموضوع تشكيل الحكومة، فقد عاد الاحتدام الداخلي والسجال بين الفرقاء بعد مغادرة وزير الخارجية جان ايف لودريان، حيث اشتعل السجال ما بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل.
وستتجه الأنظار مجددا اليوم الى اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسيل حيث تطرح فرنسا مجددا اطار آلية العقوبات التي أعلنت انها شرعت في وضعها لفرض قيود على شخصيات لبنانية بمنعها من دخول الأراضي الفرنسية وتجميد أرصدتها في المصارف الفرنسية بتهمتي إعاقة تشكيل الحكومة والتورط في الفساد.
وفي معلومات لـ"اللواء" ان الرئيس سعد الحريري وضع، بعد سحب الغطاء الفرنسي وتوقف المبادرة الفرنسية امام خيارين: امّا المبادرة إلى تأليف الحكومة أو الاعتذار..
ووفقاً لمعطيات 8 آذار "اللواء" فإنه لم يعد أمام الحريري الا الاعتذار لحفظ ماء وجهه بعد تاكيد كل الجهات الدولية والعربية التي التقاها بانه غير مرغوب به، واي حكومة سيشكلها ستلقى مصير حكومة دياب.
ولم تنفِ مصادر قيادية في تيار المستقبل هذه المعطيات، وتجزم بان الحريري ذاهب الى الاعتذار في النهاية، ولكنها تعطي مهلة اسبوعين كحد اقصى قبل اتخاذه هذا القرار.
وحسب الثنائي الشيعي فإنه مازال امام الحريري فرصة أخيرة للتأليف تتمثل بالعودة إلى سياق التفاهمات الحكومية التي اتفق عليها منذ ما قبل تكليفه.
ووفقا للمصادر فإن الحريري ما زال قادراً على تشكيل الحكومة بالتفاهم مع عون وفرضها على الجميع في الداخل والخارج، لافتة الى ان الانفراجات الاقليمية ربما تساعد على تامين الغطاء السياسي للحريري وحكومته.
وفي هذا الاطار، أكدت مصادر "البناء" أن اعتذار الحريري لا يعني على الإطلاق أن الأوضاع قد تتجه نحو تكليف سريع فتأليف، إذ إن الواقع الراهن ينذر باستمرار حكومة تصريف الاعمال، واعتبرت المصادر ان عدم تشكيل الحكومة سوف تتحمّل مسؤوليّة تبعاته كل القوى السياسية لان الأوضاع لا تبشر بالخير على الصعيد المعيشي والاجتماعي.