إلى "المراوحة"، عاد الملفّ الحكوميّ بعد "الفشل" الذي أفرزته زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، التي بدّدت كلّ الآمال بتغيير فعليّ على الأرض، سلبًا أو إيجابًا، فانتهت كما بدأت، من دون أن تحمل مؤشّرات سوى لمزيد من "تضييع الوقت" الذي لن يقدّم ولن يؤخّر شيئًا في المعادلة.
خلال عطلة نهاية الأسبوع التي أعقبت زيارة لودريان، لم يظهر شيء يوحي بأيّ مبادرة أو وساطة جدّية جديدة في الأفق، في ظلّ المعلومات التي أشارت إلى أنّ رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري "جمّد" فكرة الاعتذار حتى إشعارٍ آخر، قد يكون قريبًا أو بعيدًا، وفق المستجدّات التي يمكن أن تطرأ على المشهد في القادم من الأيام.
ولعلّ خير دليل على هذه "المراوحة القاتلة" تمثّل في غياب أيّ إشارة إلى الملفّ الحكوميّ في كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، علمًا أنّ مناسبتها، وهي "يوم القدس"، لا تبرّر ذلك، وهو ما تثبّته خطابات الرجل في المناسبة نفسها في السنوات الفائتة، والتي كانت ملفات الداخل تحضر بكلّ ثقلها وجوهرها.
لم يصرف النظر!
في المعطيات السياسية، تشير المعلومات إلى أنّ الرئيس المكلّف، وإن "جمّد" فكرة الاعتذار، إلا أنّه لم يصرف النظر عنها كليًا، خصوصًا أنّه وصل إلى قناعة تكرّست في الأيام الأخيرة، باستحالة البقاء في "مربع الانتظار" نفسه، طالما أنّ فريق "العهد" لا يبدي أي مرونة، ويرفض البحث بأيّ "تنازل" يمكن أن يقدّمه.
ولعلّ ما تسرّب عن اللقاء "غير المريح" الذي جمع الحريري بوزير الخارجية الفرنسي يثبّت هذه المعطيات، فمع أنّ الاجتماع بحدّ ذاته بدا "إيجابيًا"، بعد كمّ المعلومات والإشاعات التي سبقته، فإنّ "الغيوم" التي أحاطت به بدت كثيرة، في الشكل والمضمون، وهو ما لم يَنفِه مقرّبون من الحريري، أبدوا امتعاضهم من "مساواة" الرجل بالمعطّلين الحقيقيّين.
يقول المحسوبون على الحريري إنّ كلّ الاحتمالات تبقى واردة، ولو أنّ الرئيس المكلَّف يفضّل إعطاء الوساطات فرصة إضافية، لا سيما وأنّ البلاد المهدَّدة بتفاقم أزمتها الاجتماعية، قد لا تتحمّل تبعات العودة إلى نقطة الصفر، مع ما قد يستتبع ذلك من "تأزيم" سياسيّ، ليس في صالح أحد، وبالتحديد ليس في صالح "العهد" ولو كان يجرّ البلاد إليه.
هل "يقلب الطاولة"؟
يدرك الحريري أنّ "قلب الطاولة" على الجميع في يده، وهو يعرف بينه وبين نفسه، أنّ "اعتذاره" لن يحقّق رغبات "العهد" بتسمية بديل عنه من دون مباركته أو موافقته، لعدم توافر المقوّمات اللازمة له، ورفض سائر مكوّنات فريق الأكثرية لسيناريو يكون مشابهًا لذلك الذي أتى بحسّان دياب، أو لتكرار التجربة مرّة أخرى.
أكثر من ذلك، ثمّة من "يحرّض" الحريري على "قلب الطاولة" من خلال إقران "اعتذاره" باستقالة نوابه من مجلس النواب، وهي خطوة ينتظرها نواب "القوات اللبنانية"، وقد لا يتأخر "الحزب التقدمي الاشتراكي" في الالتحاق بها. إلا أنّ الرئيس المكلَّف "لا يستسيغها" للعديد من الأسباب، أولها عدم اعتقاده بأنّ الانتخابات هي الحلّ، فضلاً عن خشيته، شأنه شأن سائر القوى السياسية، من تراجع الشعبيّة نتيجة المتغيّرات السياسيّة.
لكن، قبل ذلك، يؤكد العارفون أنّ الفكرة لا تبدو "محبَّذة" بالنسبة إلى الحريري، لأنها قد تؤدي إلى خسارته "دعم" صديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يجاهر بأنّه معه "ظالمًا أم مظلومًا"، لكنّه يعتبر الاستقالات من البرلمان بمثابة "مؤامرة"، ويقاربها على أنّها خط أحمر يحرَّم تجاوزه. ولذلك فإنّ الحريري قد لا يذهب لخطوة "تُغضِب" برّي، طالما أنّ تمسّك الأخير به ودعمه لا يزال يمنحه "حصانة" قد لا يكون التغاضي عنها فكرة مقبولة.
جمّد الحريري اعتذاره عن التأليف، وبالتوازي، يرى كثيرون أنّ الاعتذار وحده لا يكفي، وأنّ الاستقالة من البرلمان وحدها "تكمّله"، استقالة أمامها "محاذير" بالنسبة إلى الحريري. وبين هذا وذاك، يبقى "خلط الأوراق" عنوان المرحلة، مرحلة يخشى كثيرون أن تطول أكثر، ليسبقها "الانفجار الاجتماعي" الذي لن ينفع بعده أي ندم!