لم يعد لعيد الفطر، كما سائر الأعياد، وهجه في لبنان، بعدما أطاحت الشجون الاجتماعية والاقتصادية، معطوفةً على الهمّ السياسي الأزليّ والأبدي، بكلّ مقوّمات "البهجة" إن وُجِدت، لتحلّ بدلًا منها المخاوف والهواجس من المستقبل المُظلِم، في وطنٍ يعيش انهيارًا غير مسبوق، ويكاد يصبح الجوع من "ثوابته".
فمع أنّ لعيد الفطر المبارك رمزيّته الدينية والمعنويّة، هو الذي يتوّج شهرًا يُعرَف بأنّه شهر الخير والبركات، إلا أنّ الوضع المأسويّ الذي يعيشه في لبنان لم يترك للتفاؤل بالخير مكانًا في المعادلة، في ظلّ "التبشير" المستمرّ بكوارث اجتماعيّة بالجملة، وكأنّ ما خَبِره اللبنانيون منذ عامين وحتى اليوم من مصائب وويلات لا يكفي.
وعلى الرغم من أنّ شعار "بأيّ حال عدت يا عيد" أصبح مستهلَكًا لكثرة تكراره في كلّ المناسبات والمحطّات، إلا أنّه يكاد يكون اليوم لسان حال معظم اللبنانيّين، العاجزين عن الاحتفال كما يمنّون النفس مع عائلاتهم، والذين باتوا يسيرون وفق مقولة "تخبئة" القرش الأبيض إلى اليوم الأسود، فإذا بالأيام السوداء الحالكة تقضي على القروش، وعلى قيمتها دفعة واحدة!
غائبون عن السمع!
في السياسة، يحلّ عيد الفطر، كما حلّ قبله عيد الفصح، وقبلهما عيدا الميلاد ورأس السنة، وسائر المناسبات، في ظلّ "جمود" سياسيّ مدمّر وقاتل، على وقع فراغٍ هائل في السلطة التنفيذية، لا يبدو مرشَّحًا للزوال، في ظلّ الإصرار على الشروط والشروط المُضادة، ومع "تفويت" كلّ الفرص للإنقاذ والحلّ، وآخرها المبادرة الفرنسيّة.
وإذا كان العيد بالنسبة إلى الكثير من المواطنين بمثابة "إجازة" وراحة عن العمل، فإنّه بالنسبة للسياسيّين يرتقي ليصبح "تمديدًا للإجازة"، باعتبار أنّ الكثير من هؤلاء يهملون واجباتهم البديهية والأساسية منذ أشهر، ويتقاعسون عن تحمّل الحدّ الأدنى من مسؤولياتهم، ويعرقلون تشكيل حكومة يُجمع كلّ المراقبين على أنّ لا خروج من الأزمة سوى من خلالها.
ولعلّ الأنكى من كلّ ما سبق أنّ هؤلاء السياسيّين "يتفوّقون" على سائر الناس بالقدرة على الاحتفال بالعيد، وكأنّ شيئًا لم يكُن، إذ إنّ أغلبيتهم غائبة عن السمع اليوم، بينهم من سافر، وبينهم من قرّر الاستجمام، وبينهم من أراد وقتًا للاختلاء بالنفس والأصدقاء، في وقتٍ ثمّة من يقرع جرس الإنذار، من أنّ الوقت ينفد، وأنّ الكوارث آتية قبل نهاية الشهر.
لا تفاؤل
لكن، كالعادة، ثمّة من يتعمّد توقيت "الأعياد" لبثّ بعض موجات التفاؤل التي قد لا تكون مستندة إلى واقع، وهو ما يفسّر انتشار معلومات في الساعات الأخيرة عن "مبادرة" يعتزم رئيس الجمهورية ميشال عون إطلاقها بعد العيد، قد تُحدِث "الخرق المرجوّ"، خصوصًا أنّ البلاد ما عادت تحتمل، وأنّ "العهد" يبقى أكبر المتضرّرين من استمرار المراوحة.
إلا أنّ الرهان على مثل هذه "المبادرة" لا يبدو كبيرًا للكثير من الاعتبارات والأسباب، أولها أنّ التجربة علّمت اللبنانيّين بعدم الانسياق وراء الأجواء الإيجابية الموهومة، وثانيها بسبب "ترحيلها" إلى ما بعد عيد الفطر، فإذا كانت المبادرة ناضجة وجاهزة، لماذا لا يتمّ الإعلان عنها فورًا، وألا يكلّف كلّ يوم تأخير فاتورة "باهظة" على خطّ الحكومة.
ويزداد التشاؤم بوجود نوايا حقيقيّة للحلّ، مع ما يُسرَّب عن رفض الرئيس عون للمبادرات الأخرى، على غرار ما قيل عن عدم تجاوبه مع مبادرة الرئيس نبيه بري، التي سعى المحسوبون عليه لإحيائها بعد التسليم بموت المبادرة الفرنسية، بذريعة أنّ بري "في صفّ" الرئيس المكلَّف سعد الحريري، وهو ما "يطيح" سلفًا بأيّ وساطة جديدة، طالما أنّها تنطلق من "الكباش" نفسه.
لا خرق ولا من يحزنون يبدو ناضجًا، لا قبل ولا بعد عيد الفطر، وإن كانت المواعيد "الداهمة" تسبق اللبنانيّين على ما يبدو، من استحقاق رفع الدعم المُنتظر، إلى استحقاقات الغلاء والتضخّم، وما بينهما من انهيار لم يعد التهويل به مجديًا، بعدما أصبح في صلب الواقع، حتى أنّ العيد بات معه يومًا عاديًا، يشبه سائر الأيام المظلمة والسوداء...