أزمة فقدان الأدوية والمستلزمات الطبيّة تفوق بتداعياتها الكارثيّة كلّ الأزمات الأخرى التي يعيشها المواطن اللبناني، كونها تتعلّق مباشرة بصحّة المرضى، وتشكّل مسألة حياة أو موت بالنسبة لمرضى السكري والسرطان والضغط وأمراض نقص المناعة، وغيرها من الأمراض التي لا تحتمل توقف المريض عن تناول الدواء والعلاجات. مع تفاقم الأزمة يضطر المريض أو أحد أفراد عائلته لرحلة تجوال يومية على عدد من الصيدليات، علّه يحظى بعلبة دواء، ويلجأ البعض الآخر إلى وسائل التواصل الإجتماعي ليستنجد بأصدقائه الإفتراضيين الذين غالبًا ما يلبّون النداء ويبحثون في صيدليات مناطقهم، وبعضهم من المغتربين يسارع لإبداء الإستعداد لإرسال الدواء إلى بيروت، فتبدأ مرحلة البحث عن قادم إلى لبنان. الحال نفسه ينطبق على حليب الأطفال المفقود منذ أشهر عديدة.
هذه الأزمة في طريقها إلى الحلحلة لزمن قصير، وفق ما أكّد لـ " لبنان 24" كل من رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي ونقيب الصيادلة غسّان الأمين، وذلك بنتيجة الإتفاق الذي تمّ بين مصرف لبنان من جهة ووزارة الصحة والقطاعات المعنيّة من جهة ثانية، بموجبه قُدّمت لائحة إلى المركزي بالأدوية الضرورية والمستلزمات الطبيّة وحليب الأطفال، وتعهّد المركزي بدفع فواتير مجمّدة بقيمة 180 مليون دولار "بناءً عليه ستباشر الشركات المستوردة توزيع الأدوية والحليب والمستلزمات الطبيّة على الصيدليات والمستشفيات".
لغاية ليل أمس الإثنين لم تكن الصيدليات قد استملت شيئًا "لم نتبلّغ أيّ جديد بعد، ومن المفترض أن تباشر الشركات بتسليم الأدوية إلى الصيدليات. ولكن هذا المبلغ يحلّ الأزمة لشهرين فقط" يقول الأمين موضحًا أنّ هناك عدة حلول واقتراحات يتمّ البحث بها.
بدوره يوضح عراجي أنّ الفاتورة هذه تشمل فقط الأدوية المنصنّفة ضمن قائمة الأولويات، والتي تكلّف شهريًا 90 مليون دولار، وبالتالي تكفي الفاتورة لشهرين، لكن في حال وُزع الدواء واستمرت عمليات التهريب إلى الخارج والتخزين في المنازل، تكفي القيمة لأسبوعين فقط، تمامًا كحال البنزين والمازوت.
هناك ضغط كبير وإقبال على شراء أدوية الأمراض المزمنة، يقول نقيب الصيادلة، خصوصًا أنّ المريض يخشى انقطاعها "فيبتاع منها ما يكفيه لسنة بدل شراء أدويته لفترة شهر، لاسيّما بظل الحديث عن إمكانية رفع الدعم، فضلًا عن التهريب، ونظرًا لشح الأدوية وفقدانها يتم وضع الصيدلي "ببوز المدفع"، بحيث يتعرّض الصيادلة لضغوطات كبيرة من قبل المرضى، تترواح بين التذمر والكلام النابي، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى التهديد، وهذه فاتورة يدفعها من ليس له ذنب بأزمة شحّ الدواء".
فضلًا عن انقطاع الأدوية، ألقت الأزمة المالية بثقلها على هذا القطاع، بحيث أقفلت 600 صيدلية منذ سنتين يؤكّد الأمين "بعض الصيادلة فضّل الهجرة والبعض الآخر لم يتمكّن من تحمّل الخسائر، خصوصًا أنّ نفقات ومصاريف الصيدلي فاقت إنتاجه، والصيدليات التي كان لديها مخزون من الأدوية استطاعت أن تصمد واستهلكت من مخزونها، والصيدليات الصغيرة التي تشتري بالقطعة لم تتمكّن من الإستمرار".
أزمة الدواء ستستمر بعد انقضاء مفعول فاتورة المركزي المذكورة، لا سيّما أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أعلن عن عجزه عن الاستمرار في تأمين الكلفة المالية المطلوبة، لدعم استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية وحليب الرضع والمواد الأولية للصناعة الدوائية، من دون المساس بالإحتياطي الإلزامي. في الوقت الفاصل عن نفاذ احتياط المركزي كان يجب إقرار ترشيد الدعم، في إطار الخطّة التي ناقشتها لجنة الصحة النيابية مع وزارة الصحة والقطاعات الطبيّة المعنية، ولكن الحكومة لم ترسل الخطّة إلى مجلس النواب يؤكّد عراجي، وتربطها بالبطاقة التمويلية التي لا يمكن التكهّن بموعد إقرارها ووضها موضع التنفيذ "وها نحن نحيا في دوامة".