كتبت ليا القزي في "الأخبار": "«ما بقا يدقّ تلفوني»، يقول أحد الوزراء السابقين وهو يُخبر كيف كان يتلقى في اليوم الواحد عشرات الاتصالات من مُتعهدين يُريدون «تزفيت طريق أو حفر بئر أو مدّ كابلات»، فيما باتوا اليوم «يهربون» من مشاريع الدولة. وزارة الأشغال العامة والنقل - بصفتها «المَنجم» الرئيسي للمُتعهدين، تكاد تخلو من حاملي الطلبات.
80 مناقصة - بين كانون الثاني 2020 وآذار 2021 - لم تستطِع إدارة المناقصات تلزيمها لعدم اشتراك أي عارض فيها، من دون احتساب المناقصات التي تقدّم إليها عارض وحيد، ما يعني أيضاً طلب إعادتها... حتّى الورقة البيضاء في إدارات الدولة «انقطعت»، لأنّ أحداً من التجّار لا يقبل بيعها بالليرة. ومن هذا المستوى، تتدرّج «مقاطعة» المُتعهدين للاستثمارات العامة، فتطال كلّ مفاصل الدولة: شراء بنزين ومازوت، بيع قطع غيار، جمع النفايات ونقلها ومعالجتها، أدوية وشتول زراعية، قرطاسية، تنظيف وتأهيل شبكات تصريف مياه الأمطار والمجاري الصحية، صيانة أجهزة، تأهيل الطرقات، حفر آبار، ترميم مبانٍ، تأهيل مرفأ وصيانته.
يرفض المُتعهدون إنجاز أعمالٍ لصالح القطاع العام، لأنّ الفواتير تُنظّم وفق سعر 1507 ليرات لكلّ دولار، في حين تخطّى سعر صرف الدولار في السوق السوداء الـ 12 ألف ليرة، وبالتالي لم تعُد المشاريع بالنسبة إليهم «ربّيحة». انقلب المُتعهدون على الدولة اللبنانية، بعد أن كانت لسنوات بقرتهم الحلوب، يتسابق أكثريتهم للنهل من مشاريعها، وتحديداً المحظيين بينهم الذين كانت تُفَصَّل المناقصات على قياس شركاتهم، فيُراكمون ثروات خاصة من المال العام. يُخبر أحد المسؤولين في إدارة عامة أنّ «ظروف المناقصات باتت أصعب من السابق، مع بروز عائقَين أمام المُتعهدين؛ أولاً، تواجه المشاريع الصغيرة مُشكلة عدم إصدار المصارف ضمانة مصرفية لها، في حين أنّ الدولة غير قادرة على توفير الاعتماد للمشاريع الكبيرة، وأصلاً خفتت حماسة المُتعهدين بعد أن توقّفت الحكومة عن دفع نفقاتها السابقة». المشكلة الثانية هي السعر، «في بداية الأزمة، حاول مُتعهدون نفخ أسعارهم كثيراً لتعويض الفارق في أسعار الصرف، ولكنّ نسبة هؤلاء تدّنت كثيراً بسبب تزايد المخاطر السوقية الأخرى التي يواجهونها».