إستوقفني ما تضمّنه البيان الأخير الصادر عن اللجنة المركزية للإعلام في "التيار الوطني الحر"، بحيث كان الهدف منه إظهار رئيسه النائب جبران باسيل بمظهر المسهّل لقيام حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري بالذات، وبأنه يتمسك بالإيجابية "التي طبعت كل الإتصالات التي وردته من الخارج والداخل". وهذا يعني أنه على علاقة مباشرة بهذا الملف، عرقلة أو تسهيلًا، لا فرق، وهذا ما يؤخذ عليه.
المنطق الدستوري يقول إن إثنين هما المعنيان مباشرة بعملية التأليف: الرئيس المكّلف المفترض به أن يستمزج آراء الكتل النيابية الوازنة وجوجلة الأفكار، بإعتبار أن أي تشكيلة حكومية لا تمرّ إلا إذا نالت ثقة مجلس النواب، وهو أمر لم يحصل إطلاقًا، إذ لم يسجل أن حُجبت الثقة عن أي حكومة، وذلك بسبب أن مجلس الوزراء قد اصبح في شكل من الأشكال صورة مصغرّة عن مجلس النواب، بعدما كانت كل الأحزاب تتمثّل فيه تقريبًا.
وبعد ضمان نيل التشكيلة الحكومية المفترضة ثقة مضمونة مسبقًا من المجلس النيابي، يعرض الرئيس المكّلف هذه التشكيلة على رئيس الجمهورية، وهو المعني الثاني بهذا الأمر، لأنه هو من سيوقع مرسوم تشكيلها في النهاية، وله كل الحق، كما يفرضه الدستور، في أن تكون له الكلمة النهائية لكي تبصر الحكومة النور، وبالتالي من حقّه الدستوري أن يعطي رأيه في الأسماء المعروضة عليه، من ضمن سلّة تفاهمات بينه وبين الرئيس المكّلف، ولكن من دون شروط مسبقة، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، وهذا ما يشكو منه الرئيس الحريري، الذي تصف أوساطه النائب باسيل بـ"الرئيس الظل"، الذي يريد أن تكون له الكلمة الفصل وفق شروطه، على رغم نفي "التيار الوطني" لما يحاول تيار "المستقبل" تسويقه، والذي "يصرّ على السلبية والشتيمة والمس بالكرامات، وبمقام رئاسة الجمهورية تحديداً، تماماً كما فعل بعد كلمة النائب باسيل الإيجابية في مجلس النواب".
وأمام هذه "الطوباوية" التي يبديها باسيل يسأل سائل: أين كانت كل هذه "الإيجابية" قبل ثمانية اشهر، ولماذا كانت توضع العصي في دواليب عربة التشكيلة الحكومية، ولماذا كان رئيس "التيار الوطني الحر" يحاول أن يفرض رأيه في كل مرّة كانت تلوح في أفق الأزمة الحكومية بوادر حلحلة. وتعود بنا الذاكرة إلى التفاؤل الذي ساد الأوساط السياسية بقرب ولادة الحكومة عشية عيد الميلاد؟
فإذا كان النائب باسيل لا يتدّخل معرقلًا، كما تقول البيانات الصادرة عنه، فلماذا قال الرئيس نبيه بري إن الرئيس الحريري وافق على بنود مبادرته، وهو لا يزال ينتظر أجوبة باسيل، التي لم تكن نهائية، على ما يبدو، في اللقاء الذي جمعه بـ"الخليلين" ووفيق صفا في "جناحه" في قصر بعبدا.
وعلى رغم نفي "التيار" لما يُشاع عن أجواء سلبية سادت إجتماع "جناح باسيل في بعبدا" ، فإن ثمة معلومات تؤكد أن اللقاء لم يفضِ إلى نتائج ترضي "الثنائي الشيعي"، خصوصًا في ما يتعلق بموضوع تسمية الوزيرين المسيحيين وصيغة 8- 8 – 8، التي يعتبرها باسيل بأنها تكرّس المثالثة، مع العلم أن هذه الصيغة سبق لرئيس الجمهورية أن وافق عليها، على رغم ما تعرّضت له هذه الصيغة من إنتقادات، خصوصًا من بعض الجهات المسيحية، التي تخشى أن تكون هذه الصيغة كبدل عن ضائع للمؤتمر التأسيسي.
ومن بين أسئلة السائل: لماذا لم يبدّ النائب باسيل هذه الإيجابية من قبل، ولماذا كل هذه "الطوباوية" في هذا الوقت بالذات؟
وفق آخر المعطيات فإن الأسبوع الطالع سيحمل معه الكثير من المفاجآت والتطورات على الخطّ الحكومي، بعد أن تكون كل الإتصالات قد أنهت ما هو مطلوب منها.