لا يمكنُ لأي أحد أن يُبشّر بولادة الحكومة في وقتٍ قريب، خصوصاً أن المساعي والاتصالات تراجعت وتيرتها بشكل لافت خلال الأيام القليلة الماضية.
واليوم، فإن العلاقة بين "حزب الله" والنائب جبران باسيل تشهدُ فتوراً كبيراً بشكل ضمني، وتقول المصادر أن الحزب قلل شبكات التواصل مع باسيل في إشارة إلى مُشكلة قائمة بينهما. وبشكل أساسي، بات الحزبُ وجمهوره على يقين بأنّ مجمل العراقيل المطروحة أمام تشكيل الحكومة تأتي من صوبِ باسيل، وهو الأمر الذي سيؤخر الحلول ويعمّق الأزمة التي باتت تضربُ الشارع الشيعي بالدرجة الأولى، وهذا ما يخشاه "حزب الله".
أما على جبهة الرئيس المكلف سعد الحريري، فما بات معروفاً أنه ينتظرُ ما ستؤول إليه مبادرة الرئيس نبيه بري الإنقاذية، وعندها "لكل حادث حديث".. فإما اعتذار وإما استمرار بالتكليف.
ومع كل ذلك، تدرس مجمل المرجعيات السياسية نتائج الخيارات القائمة لا سيما اعتذار الحريري من جهة أو استمراره بالتكليف من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار، باتَ يُحكى حالياً عن سيناريوهات عديدة تتعلّق بكل خيار وسط وجود مخاوف من انهيارِ حتمي في الشارع. وهنا، تقول مصادر سياسية وازنة لـ"لبنان24" أنه في حال تحقق اعتذار الحريري الذي يرغب به باسيل، فإنّ الفوضى ستزداد أكثر.
وتفصيلاً، فإن أي اعتذار للحريري من دون أرضية واضحة سيؤسّس لانقلاب حتمي وتوتر في الشارع السني وتحديداً في المناطق التي تعتبرُ ساخنة بالدرجة الأولى. غير أن الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقون يُدركون هذا الأمر تماماً، وما لا يريدون الوصول إليه هو انفلات الشارع خصوصاً السّني.
وبشكل أساسي، ولضربِ أي فتنة بين الأطراف السنية، جاء قرار الحريري، وبدفع من نادي رؤساء الحكومات السابقين والرئيس بري، بتأجيل خطوة الاعتذار بانتظار استواء طبخة معينة. وفعلياً، فإن صورة تأجيل الاعتذار الثابتة وصلت بكامل تجلياتها إلى "حزب الله"، وقد كشفت مصادر متقاطعة أنه كان للحزب موقفٌ واضح من هذا الأمر، وقد أصرّ أيضاً على تأجيل اعتذار الحريري ريثما يتم الوصول إلى حلحلة. إلا أنه عملياً وضمنياً، فإن الحزب لا يريدُ اعتذار الحريري ويسعى لاستمراره في رئاسة الحكومة رغم معارضة باسيل لذلك، وهنا بيت القصيد.
وما لا يمكن إخفاؤه أبداً هو أنّ قنوات التواصل بين الحريري و "حزب الله" مفتوحة تماماً، والتنسيق اللا علني بين بيت الوسط وحارة حريك مستمر. وأساس هذا الأمر هو أنه لدى "حزب الله" مصلحة أساسية في بقاء الحريري "الزعيم السني الأول في لبنان"، لأن الأخير سعى خلال السنوات الماضية إلى ربط نزاعٍ مع الحزب. وإزاء هذا الأمر، فإنّ ما تبين مع كل المراحل الماضية أنّ الحريري نجح في تجنيب لبنان حمّام دم وذلك من خلال المواقف والتسويات التي خاضها، والتي ربما كانت على حساب شعبيته. وبإجماع مجمل الأطراف وبالتسليم الكامل من "حزب الله"، لقد تمكّن الحريري من ضرب الفتنة السنية – الشيعية في مهدها، وهو الأمر الذي أضاع فرصة لانزلاق البلاد نحو اقتتال لا تُحمد عقباه.
ولهذا الأمر دلالة كبيرة بالنسبة لـ"حزب الله" والرئيس نبيه بري بالدرجة الأولى، ولهذا السبب الجوهري يكمن التمسك بالحريري. أما الذي دعم الأخير بذلك الأمر فهو اصطفاف رؤساء الحكومات السابقون خلفه والتفاف دار الفتوى حوله، وقد بات القرار واضحاً: "لا اقتتال، والشارع السنّي لا يمكن أن يكون شرارة لأي صراع".