علاقة الرئيس سعد الحريري، بوصفه رئيسًا مكّلفًا ورئيسًا لتيار سياسي واسع، بالنائب جبران باسيل، كونه مكّلفًا غير رسمي من قبل رئيس الجمهورية لمتابعة الملف الحكومي ورئيسًا لأكبر تكتل نيابي، تشبه إلى حدّ كبير قصة بطلي المسلسل التركي "مرارة الحب" أمير وأيمن، اللذين يتنافسان على حبّ إمرأة واحدة، مع ما يرافق ذلك من أحداث درامية سجلت رقمًا قياسيًا في عدّاد الحلقات التي لا تضاهي حلقات تعطيل تشكيل الحكومة في لبنان الغارق شعبه بالجوع والعوز والفاقة.
فهذه العلاقة بين الرجلين متوترة حتى قبل تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة كنتيجة دستورية للإستشارات النيابية الملزمة، خصوصًا أن كثيرين من العارفين يجزمون بأن البيان الذي أصدره الرئيس ميشال عون في حينه وطلب فيه من النواب عدم تسمية رئيس تيار "المستقبل" فيه الكثير من بصمات رئيس "التيار الوطني الحر". وقد إستمرّ هذا التوتر على حاله طوال فترة المفاوضات التي كان يجريها الحريري مع الرئيس عون، وذلك لرفضه التجاوب مع طلبه بأن "يقوم ويبوس تيريز"، على حدّ ما كشفه رئيس حزب "القوات اللبنانية" في إحدى مقابلاته التلفزيونية.
هذه هي المشكلة الأساسية، كما يقول أكثر من مراقب سياسي، التي تحول حتى الساعة دون قيام حكومة، مع أن المنطق السليم يفرض على الجميع، وبالأخصّ الرئيسين عون والحريري، التوافق بالأمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، على تطبيق الدستور كما هو بعيدًا من كل الإجتهادات غير المفيدة، بإعتبار أن الوضع في لبنان إستثنائي في حالته المزرية، إقتصاديًا وماليًا، ويقتضي بالتالي التعالي عن الشخصانية في المقاربات الوطنية قبل أن يضيع الوطن، وتضيع معه الصلاحيات التي يطالب بها زيد أو عمر، حتى أن البعض يقول قبل أن يضيع الوطن في مصالح الدول، التي لا تحسب له أي حساب. وهذا ما حذّر منه قداسة البابا فرنسيس في بداية "يوم الصلاة من أجل لبنان"، وقال: "كفى استخدام لبنان لمصالح ومكاسب خارجية، يجب إعطاء اللبنانيين الفرصة لبناء مستقبل أفضل على أرضهم ومن دون تدخلات"، مضيفاً: "لبنان الحبيب الذي يشع حكمة وثقافة لا يمكن أن يترك رهينة الأقدار أو الذين يسعون وراء مصالحهم الخاصة".
فبين زيارات الرئيس الحريري الخارجية التي يقول عنها الرئيس عون انها "سفرات سياحة وشمّ الهوا"، وبين موقف من هنا وتصريح طول يوم الجوع من هناك، يبقى البلد مجمدًّا عند نقطة ما دون الصفر، ويبقى رهينة بعض "الولدنات" وبعض الحسابات الأكثر من ضيقة وبعض المصالح الشخصية، منها ما هو إنتخابي ومنها ما هو منفعة شخصية.
وبين هذا وذاك، وبين حانا ومانا يُخشى أن يصبح البلد في خبر كان أو فعل ماض ناقصًا، على أن تستمر مسرحية إلهاء اللبنانيين بإمورهم الحياتية اليومية قبل أن تُسدل الستارة عن آخر فصول هذه المهزلة المبكية، وقبل أن يتقرر مصير الحكومة.