ككلّ يوم إثنين منذ أسابيع طويلة، يستيقظ اللبنانيون على العبارة "الثابتة" التي باتت من "الأساسيّات"، ألا وهي أنّهم أمام أسبوع "حاسِم" حكوميًّا، وأنّه لن ينقضي إلا بموقف "نهائيّ"، فإمّا تولَد الحكومة أخيرًا وبعد طول انتظار، وإما يتّخذ الرئيس المكلَّف سعد الحريري قراره شبه المحسوم والمؤجَّل بـ"الاعتذار".
هكذا، استيقظ اللبنانيون اليوم أيضًا على التحليلات نفسها، معزَّزة ببعض المعطيات عن زيارة مرتقبة للرئيس المكلَّف إلى قصر بعبدا، وإمكانيّة تقديمه تشكيلة وزاريّة وُصِفت بأنّها "كاملة المواصفات"، تستند إلى "روحيّة" مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي سبق أن لقيت "إجماعًا" في الداخل اللبناني، قبل أن "ينقلب" عليها البعض.
وإذا كان هذا المُعطى، الذي أضفى عليه البعض، لا سيّما من المحسوبين على رئيس مجلس النواب، كلامًا عن "فرصة أخيرة للإنقاذ"، قد أحيا "الأمل" لدى البعض بأن يؤدّي إلى "تحريك" الملفّ الحكوميّ، إلا أنّه، من الناحية العمليّة، لم يقترن بأيّ مقوّمات تسمح فعليًا بـ"الرهان" عليه، والاعتقاد بأنّ الأسبوع لن ينتهي سوى بـ"حسم" طال انتظاره.
كلام "لافِت" للراعي
في غضون ذلك، انشغلت الأوساط المحلّية في عطلة نهاية الأسبوع بكلامٍ لافِت للبطريرك الماروني بشارة الراعي، رأى البعض أنّه "أحرج" من خلاله الرئيس المكلَّف، عبر حثّه على "الحسم"، من خلال إعلانه أنّ التكليف لا يمكن أن يكون "أبديًا"، وهو كلامٌ "يتناغم" بشكل أو بآخر مع الاجتهادات "العونيّة" الدائمة لسحبه من يد الحريري.
لكنّ الراعي لم يُرِد من هذا الكلام، وفق ما يقول العارفون، "التصويب" على الحريري حصرًا، إذ إنّ هذه العبارة التي جرى تداولها بكثافة، وعلى طريقة الضخّ الإعلاميّ، اقتُطِعت من سياقها، ما "حوّر" معناها إلى حد بعيد، حيث إنّها جاءت "معطوفة" على انتقادٍ مبطَن آخر لفريق "العهد"، بقول الراعي إنّ العبارة الواردة في الدستور حول اتفاق رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف لا تعني تعطيل التشكيلات المقدمة.
من هنا، فإنّ كلام البطريرك الماروني لا يبدو "معزولاً" عن المواقف التي يكرّرها منذ فترة غير قصيرة، والتي عزّزها لقاء الفاتيكان الأخير، الذي جمع من خلاله البابا فرنسيس المرجعيات والشخصيات المسيحية، وقوامها انتقاد الطبقة السياسيّة بالكامل مسؤولية "العجز" عن تأليف الحكومات، ووضع كلّ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلَّف في "دائرة الاتهام" بشكل أو بآخر، على طريقة "الضغط" للحضّ على الحسم.
كيف سيتفاعل الحريري؟
رغم هذه التوضيحات، يعتقد كثير من المتابعين أنّ الحريري لم يكن "مرتاحًا" لكلام البطريرك الماروني، وقرأ فيه تصويبًا مباشرًا عليه، لا يخلو من "الظلم"، وهو ما تُرجِم بحملات "افتراضيّة" تصدّى لها جمهور "التيار الأزرق"، وشارك فيه عدد من قياداته، دفاعًا عن الرئيس المكلَّف، ورفضًا لـ"تعميم الاتهامات" بالشكل الحاصل.
لكن، كيف سيتفاعل الحريري مع هذا الكلام؟ وهل تكون تصريحات البطريرك الماروني دافعًا له للحسم، لا سيّما وأنّ كلّ المعطيات المتوافرة تجزم بأنّه "حسم أمره"، وأنّه لم يعد راغبًا في "التريّث"، لولا بعض "التمنيات" التي تأتيه من هذا الطرف أو ذاك؟
هنا، ثمّة أكثر من وجهة نظر، تنطلق الأولى من أنّ زيارته المرتقبة إلى قصر بعبدا ستكون بمثابة "الردّ العمليّ" على كلام البطريرك الماروني، سواء أتبِعت باعتذار أم لا، لأنّ الرجل ينوي تقديم تشكيلة حكومية متكاملة إلى رئيس الجمهورية، وهو بذلك يرمي الكرة مجدّدًا في ملعب الأخير، خصوصًا إذا ما رفض التوقيع عليها، وفق ما هو متوقَّع، فيكون بذلك قد ضيّع "فرصة" قد لا تتكرّر للتشكيل.
لكن، في مقابل هذا الاعتقاد، ثمّة من يرى أنّ مثل هذه الزيارة قد لا تكون سوى "شكليّة"، أو ربما من باب "تبرئة الذمّة"، لأنّ نجاحها لا يمكن أن يقع في ظلّ استمرار "القصف الإعلامي" بين الجانبين، والذي تُرجِم ببيانات السبت "الناريّة"، ما يغلّب خيار "الاعتذار" على ما عداه، والذي يقول المحسوبون على الحريري إنه ينتظر "الضوء الأخضر" من الحلفاء والأصدقاء، وفي مقدّمهم رئيس البرلمان.
"إنّه أسبوع الحسم". عبارة سئم اللبنانيون من سماعها، بل باتوا كلما سمعوها، يتشاءمون، ويدركون أنّ ما ينتظرهم هو أسبوع آخر من "المماطلة والمراوغة". أصلاً، لم تعد الحكومة تهمّ اللبنانيّين، بعدما أيقنوا أنّ "الإنقاذ" الموعود لا يمكن أن يأتي من خلالها، وهم الذين يعانون الأمرَّين في كلّ ظروف حياتهم، التي باتت عبارة عن "مأساة"، بكلّ ما للكلمة من معنى، وعلى كلّ المستويات!.