بات محسومًا أنّ الرئيس نجيب ميقاتي سيصبح بنتيجة الاستشارات النيابية الملزمة التي يستضيفها قصر بعبدا اليوم، الرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة، الثالث منذ انفجار مرفأ بيروت المروّع، واستقالة حكومة حسّان دياب، وسط آمال واسعة بأن تكون "الثالثة ثابتة"، وينجح في الوصول إلى "الخواتيم السعيدة" في أقرب وقت ممكن.
توحي مؤشّرات كثيرة بأنّ ميقاتي، الذي لن يبدأ من الصفر، بل سيستكمل ما باشره "سلفاه" السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري، يمتلك "نقاط قوّة" تساعده في مهمّته، أولها التوافق على شخصه، من جانب معظم القوى السياسيّة، باستثناء "القوات" المصرّة على انتخابات مبكرة قبل كلّ شيء، و"التيار" الذي يرفض تقديم "شيك على بياض"، وفق ما يقول الدائرون في فلكه.
لكن، بمُعزَلٍ عن هذه المؤشّرات، التي تُرجِمت في الأيام الأخيرة، "انتعاشًا" في سوق الدولار، الذي انخفض بوتيرة لافتة على وقع الأجواء "التفاؤليّة"، لا شكّ أنّ تسمية ميقاتي اليوم ستشكّل للمؤيّدين والمتحفّظين على حدّ سواء، "فرصة جدّية" للإنقاذ قد لا تتوافر مرّة أخرى، فهل "يتلقّفها" جميع الأفرقاء، ويُسهِموا في إنجاحها وإيصال البلاد إلى برّ الأمان؟!
روحيّة جديدة وانفتاح كامل
تعيد تسمية الرئيس نجيب ميقاتي بعض "الأمل" إلى النفوس، بعد "الإحباط" الذي أصاب اللبنانيين يوم "اعتذر" الرئيس سعد الحريري عن استكمال مهمّته، حين راجت أخبار عن أنّ "البديل" غير متوافر، وأنّ رؤساء الحكومات السابقين لن يسمّوا أحدًا، ما أوحى أنّ "سيناريوهات" التكليف والتشكيل كلّها سوداويّة ومُظلِمة، خصوصًا في ظلّ ما كان يُحكى عن حكومة مواجهة واستفزاز.
بنتيجة الاتصالات والمشاورات السياسية المكثّفة التي أجرت خلال الأيام القليلة الماضية، حصل التغيير في الموقف، أولاً لأنّ البلاد لا تحتمل في الظرف الحالي الاستسلام للصراع السياسي الذي سيكون مدمّرًا وقاتلاً، وقد بدأت "بشائر" الخراب تظهر على أكثر من مستوى، وثانيًا لأنّ التوافق هو السبيل الوحيد لمواجهة الأزمات، بعيدًا عن الاستفزازات والتحديات الدونكيشوتية التي لن تقدّم أو تؤخّر شيئًا في المعادلة.
من هنا، ينظر كثيرون إلى تجربة الرئيس نجيب ميقاتي، وإن كانت "تتمّة" لتجربتي أديب والحريري، على أنّها "جديدة" في الشكل والمضمون، فالرجل وإن كان يقيّد نفسه بشروط لا يمكن التنازل عنها، لأنّها في صلب الدستور، إلا أنّه ينطلق أيضًا بروحية جديدة، وانفتاح على الجميع، قد ينفع ولا يضرّ، طالما أنه تحت سقف الدستور، ويستند بشكل خاص إلى "المسلّمات" التي عبّر عنها بيان رؤساء الحكومات السابقين "الحاسم" أمس.
مؤشرات إيجابيّة
انطلاقًا من هذه "المسلّمات"، يتحدّث البعض عن "إيجابيّات" يمكن البناء عليها، قد يكون أولها في "الالتفاف" حول تسمية الرئيس نجيب ميقاتي من جانب معظم القوى السياسيّة الأساسيّة، وهو دعمٌ يقول البعض إنّه يستند إلى "ثقة" بقدرة الرجل على إحداث "الخرق" المطلوب، ويرى البعض الآخر أنّه ينطلق من "ضمانات" قد تكون أعطيت لميقاتي، حتى يقبل التكليف من الأساس، وهو ما كان يشترطه في الآونة الأخيرة.
وقد لا يكون موقف "التيار الوطني الحر"، وإن صُنِّف في خانة "سلبيّة" من تسمية الرئيس ميقاتي، بعيدًا عن المؤشرات "الإيجابية" التي تحيط بتسمية الرئيس ميقاتي، فهو تعمّد توجيه بعض "الرسائل المَرِنة"، سواء عبر رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أكّد "نيّة التعاون"، أو عبر الوزير السابق جبران باسيل، الذي تولى عبر المقرّبين منه تسريب معطيات عن "انفتاح"، على طريقة "المعاملة بالمثل"، وفقًا لمستجدّات الساعات المقبلة.
أما المؤشر الإيجابي الأهمّ، والذي يتخطّى كلّ ما سبق، فيكمن في أنّ الرئيس ميقاتي يدرك حجم الأزمة التي تمرّ بها البلاد، وهو يريد أن يكون "معبرًا للإنقاذ"، ولذلك ثمّة من يؤكد أنّه قيّد نفسه بمهلة "معقولة" ستكون كافية لاستكشاف "النوايا"، فإما تنتصر الإيجابية، فيشكّل الحكومة في فترة قياسيّة، وإما يستمرّ "التعطيل" سيّد الموقف، وعندها لن يتأخّر في الاعتذار، على طريقة "اللهم إني بلّغت".
رغم هذه المؤشّرات، ثمّة من "يتشاءمون" انطلاقًا من أنّ الرئيس ميقاتي لن يُعطى ما لم يُعطَ للحريري، وأنّ من "عطّل" التأليف لأشهر طويلة لن يغيّر "عادته" اليوم، طالما أنّ الظروف لا تزال نفسها. قد يكون لمثل هذا "التشاؤم" ما يبرّره، في ضوء الواقع "الكارثي" الذي تتخبّط خلفه البلاد، إلا أنّه لا يجب أن يمنع الاستفادة من "الفرصة"، لأنّ البديل قد لا يكون هذه المرّة، وأكثر من أيّ وقت مضى، سوى "جهنّم" بكلّ ما للكلمة من معنى!