في خضم المحاولات الحثيثة لحل العقد القائمة أمام تأليف الحكومة، تزايد القلق في الاسبوعين الماضيين من تسريبات عن وقوع أحداث أمنية قبل الرابع من آب.
كان يمكن لحادثة خلدة أن تمر"مرور الكرام" لو حصلت على سبيل المثال بين عائلتين في مناطق عدة إثر عملية ثأر وخلافات بين العشائر من هنا، او اشكالا عائليا من هناك، علما أن الأمن الذاتي وتقاعس الأجهزة الامنية في الكثير من الأحيان عن القيام بواجباتها بفعل الضغوطات السياسية أوصل البلد إلى ما وصل إليه من فلتان؛ بيد أن ما جرى ليل السبت وبعد ظهر الأحد لم يكن عملاً ثارياً على الإطلاق، تقول مصادر حزب الله وحركة أمل، إنما عمل مدبر ومنظم في توقيت مشبوه غايته جر حزب الله إلى الفتنة في الداخل.
إن حزب الله وفق مصادره، في موقف لا يحسد عليه، فمقتل المدعو علي شبلي ليل السبت كان يمكن أن يمر، إنما استهداف موكب التشييع عن سابق إصرار وتصميم بكمين محكم أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، كشف ما يخطط إليه البعض،
ولأن عدم رد الحزب سوف يحرجه أمام جمهوره وعائلات الضحايا، ولأن قرار التعاطي بالمثل سيكون بمثابة الانجرار إلى اللعبة المرسومة التي يريدها البعض في الداخل والخارج و التي تهدف إلى احداث فتنة سنية – شيعية، لجأ الحزب إلى الطلب من الجيش والأجهزة الامنية فرض الامن واعتقال القتلة تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة ليكون بذلك قد حافظ على هيبته امام بيئته وقطع الطريق على من يحاول الاصطياد بمياه الفتنة، علما أن الحزب أسوة بالقوى السياسية الاخرى لا قرار عنده بتوتير البلد وإدخاله في العنف والفوضى وان كانت أوساطه استغربت خلو بيان المستقبل من أي دعوة لإلقاء القبض على المتهمين ومحاكمتهم.
أمام ذلك، ثمة من يقول إن الأمور لن تنته إلا إذا تدخل الجيش جديا وضرب بيد من حديد، ونشر وحداته على الخط الساحلي الجنوبي من خلدة حتى الأولي وتمركز داخل أحياء عرب المسلخ والقى القبض على المنفذين، خاصة وأن منطقة حساسة كهذه شهدت توترا قبل ساعات يفترض أن تتحول إلى ثكنة عسكرية ويكثف الجيش من تواجده فيها، لا أن يقتصر حضوره على نحو 15 عنصرا في الساعات الاولى من اعتراض موكب التشييع، وهذا الأمر لا يزال محل أخذ ورد وتساؤلات عند حزب الله والمقربين منه الذين يعتبرون أن المشهد سوف يتضح خلال الساعات الـ 24 المقبلة مسقطين فرضية العجز وسوء التقدير من حساباتهم.
أمام كل ذلك، لا بد من طرح أسئلة مشروعة حيال مآل الأمور في المرحلة المقبلة، فهل يمكن أن تتطور الأمور؟ وكيف سيتصرف الجيش في حال تنقلت الأحداث الأمنية بين المناطق؟ وما هو مصير الانتخابات النيابية إذا اشتعل الشارع؟ وهل ما قد يحدث سيعيد النظر بامكانيات الجيش في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تركت اثارا سلبية على أداء عناصره؟ وما هو مصير الحكومة العتيدة؟ وهل حادثة خلدة ستعجل من تأليف الحكومة ام ستعيق التأليف؟ وهل هناك من يريد من خلال هذه الأحداث ان يضغط على الرئيس نجيب ميقاتي لدفعه إلى الاعتذار وعدم تأليف الحكومة؟
الاسئلة كثيرة، والإجابة عليها وفق اوساط سياسية سوف تتظهر في الأيام القليلة المقبلة، لكن مصادر مطلعة على الأجواء الدبلوماسية تؤكد أن الجيش، بالنسبة للمجتمع الدولي، يبقى الامل الوحيد لحفظ الامن في لبنان فهو المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تعمل في البلاد ويجب دعمه قدر الامكان، لكنها تدعو في الوقت نفسه إلى التوقف مليا عند شهادة المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب، التي كما قرأتها المصادر كانت قاسية بحق المؤسسة العسكرية، حين اعلن شينكر أن الجيش في لبنان لم ينجح في التخفيف من سيطرة حزب الله على البلد وأنه يجب على إدارة الرئيس جو بايدن أن تشترط دعمه بإنهاء استخدام المحاكم العسكرية لاستهداف منتقدي حزب الله في الداخل والخارج.
الأكيد أن ما حدث في خلدة ويحدث في مناطق اخرى يعطي فكرة واحدة ان هناك قوى سياسية وتيارات تلعب بالأمن لمآرب سياسية ومكاسب ضيقة غير ابهة بدقة المرحلة وحراجتها، فهذه القوى على اختلافها لديها حساباتها وارتباطاتها.