إذا لم يقتنع أصحاب الشأن بعد بأن لبنان هو أمام فرصة تاريخية من الصعب تكرارها فإن الأمور قد تذهب إلى أبعد مما هي عليه الحال اليوم.
وإذا لم يتّعظوا من التجارب السابقة فإن الآتي من الأيام قد يحمل الكثير من المفاجآت غير السارّة.
وإذا لم يغيّروا أسلوبهم في المقاربات السياسية وربطها ببعضها البعض والتعاطي معها وفق أجندات ومصالح آنية وشخصية فإن التطورات المتسارعة قد لا تسمح لأحد بإلتقاط الأنفاس، بعد أن تكون قد إحترقت كل المراحل.
وإذا لم يصَر إلى الإستفادة من إستعداد الدول الصديقة والشقيقة لتقديم المساعدة للبنان، من خلال مؤتمرات الدعم له، فإن الفرص التي تبدو سانحة اليوم قد تتلاشى في الغد، خصوصًا بعد القناعة التي تكّونت لدى بعض الدول الراغبة بالمساعدة، ومفادها أن لا أحد يستطيع أن يمدّ يد المساعدة للبنان إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم بأنفسهم.
فالعناد ليس آوانه اليوم، وكذلك التشبث بالرأي، وإعتبار أن الحقّ إلى جانبنا فيما جميع الآخرين، بمن فيهم الحلفاء، على خطأ. هذا الأسلوب لم يفد أحدًا في السابق، بل أوصل البلد إلى ما دون الدون، وهو بالتأكيد لن يفيد أحدًا اليوم، في ظل التمسك بمطالب هامشية وتافهة قياسًا إلى حجم وجسامة الأزمة اللبنانية، التي يعاني منها الموالون للسلطة قبل المعارضين لها.
إتركوا الرئيس المكّلف يعمل شغله. أنتم تعرفون وغيركم يعرف أيضًا أن الرئيس نجيب ميقاتي هو "الخرطوشة" الأخيرة للعهد في آخر أيامه، وذلك قبل أن ينهار الهيكل على رؤوس الجميع، وقبل أن يصبح الحل مستحيلًا، وهو لا يزال حتى الساعة ممكنًا، خصوصًا إذا توفرّت الإرادة الوطنية حول ضرورة الإنقاذ.
فالإنقاذ ليس مجرد كلمة تُقال من قبيل رفع العتب ليس إلا، بل هو نتيجة عمل مشترك وجدّي من قِبل الجميع. فلا الإستفراد بالسلطة يفيد، ولا الإستئثار. فالمحاصصات، كما أصبح واضحًا، اضاعت علينا فرصًا كثيرة.
يجب أن يقتنع الجميع، وبالأخصّ أهل السلطة، بأن الناس لم تعد "تقبض" الوعود الفارغة، ولم تعد تأخذهم على محمل الجدّ. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الصديقة والشقيقة.
ما حصل في خلده وفي الجميزة، وبعدهما في حاصبيا وشويا وصيدا ورويسات صوفر، وقد يتكرر المشهد في غير منطقة، هو بمثابة إنذار بأن أي تأخير في عملية تشكيل حكومة قادرة وفاعلة ومنسجمة قد يرتدّ سلبًا، أمنيًا وإجتماعيًا وإقتصاديًا وماليًا على الجميع من دون إستثناء.
لا أحد من اللبنانيين الذين نزلوا بالالآف في 4 آب يفهم كيف أن قلب العالم على لبنان أكثر من المسؤولين أنفسهم. ولا يفهمون أيضًا كيف أن هذا البعض من هذا الصنف من المسؤولين لا يزالون يتصرّفون وكأن أمور البلد ماشية على أتمّ ما يرام، وهم لا يزالون يفكرّون بالطريقة نفسها التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من تدهور وتلاشٍ.
نقولها للمرّة المليون إن العناد لا يبني وطنًا، ولا يعيد بالتالي ما فُقد من مقومات صمود وإمكانية لا تزال متاحة بالخروج من عنق زجاجة الأزمات بأقل أضرار ممكنة.
إتعظوا وتصرّفوا ولا تفوتوا الفرصة السانحة، وهي الأخيرة.