لا تزال عملية تشكيل الحكومة تسير ببطء في ظلّ وجود بعض العُقد التي تحول دون الوصول الى نتائج نهائية رغم إصرار جميع الأفرقاء على تسهيل التأليف لكسر حاجز الفراغ والمضيّ في الاصلاحات اللازمة لكبح عجلة الانهيار.
من جهته، فإن الرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي يتمسّك بالمسؤولية الوطنية التي أوكل بها ساعياً بكل جهده لإيجاد مخارج ملائمة للجميع تفتح الباب أمام ولادة الحكومة بأسرع وقت ممكن لإخراج لبنان من أزماته خوفاً من الارتطام الكبير، ويكثف لهذا الهدف لقاءاته مع رئيس الجمهورية ميشال عون ضمن مشاورات التأليف التي يبدو أنها لم تُحرز أي تقدم ملحوظ حتى الساعة، مذكّراً في كل مرّة بموقفه الثابت بأنّ مهلة التأليف ليست مفتوحة، إذ لا مجال لمزيد من إضاعة الوقت على اللبنانيين الذين باتوا يتمسكون بآخر أمل للنجاة قبل هبوب العاصفة!
من جهة أخرى، فإنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يبدو مستعجلاً أيضاً لإنجاز الحكومة ووضع حدّ للتوترات الشعبية التي قد تؤدي الى تفلّت أمني لا تُحمد عقباه، ولعلّ حراكه السياسي والميداني في "خلدة" على أثر التعدّيات التي حصلت مؤخراً خير دليل على ذلك حيث انه يعتبر أن أي فتنة في الداخل اللبناني وإن لم يكن للطائفة الدرزية طرفاً فيها من شأنها أن تؤثر على الاستقرار العام وتهدّد الجبل وجودياً.
في المقابل، يبدو أن الرئيس ميشال عون لا يرغب باستمرار الفراغ الى ما لا نهاية، بل يسعى بشكل أو بآخر من أجل الوصول الى تسوية تضع قطار الإنقاذ على سكّته وتُحسب له نقطة إيجابية في عهده، الامر الذي من شأنه أن يرتدّ إيجاباً على الواقع الانتخابي للتيار "الوطني الحر" وتحديدا للنائب جبران باسيل.
كذلك الأمر بالنسبة لـ "حزب الله" الذي يستعجل أيضاً ولادة حكومة يكون راضياً بالحدّ الأدنى على توازناتها وواقعها السياسي من دون أن يفرض شروطاً تعجيزية على تشكيلها، إذ أن الحزب سيواجه في هذه المرحلة العديد من التحديات الداخلية والاقليمية التي ستظهر خلال الاسابيع المُقبلة خصوصاً في حال لم يتمّ التوصّل الى تسوية بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، وعليه فإنه يفضّل التخفيف من العبء الداخلي ولو جزئيا عبر حكومة تُدير الأزمة اقتصادياً ومعيشياً وتعيد إنعاش البلاد.
أما بالنسبة لتيار "المستقبل" فإن الرئيس سعد الحريري يدعم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في مهمّته، حيث أنّ لديه مصلحة كبرى من الإسراع في التشكيل والبدء بعملية الإنقاذ لأن ذلك من شأنه أن يفتح أمامه باب تحسين صورته الشعبية استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة.
كل ذلك يوحي بأن الواقع الداخلي وإن كان يسير بوتيرة بطيئة لكنه بات متجانساً مع الواقع الاقليمي والدولي الذي يتوافق على ضرورة منع الانهيار وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع وذلك من الآن وحتى موعد الاستحقاق النيابي الذي سيشهد تسوية كبرى سيكون للنتائج فيها دوراً اساسياً في تحديد معالمها.
ولكن، إذا كان "الكل راضي" فمن يعرقل التشكيل؟