ماذا بعد؟ او ماذا عن الغد؟ او كيف سنتمكن من الاستمرار؟ اسئلة وتساؤلات تشغل بال اللبنانيين في هذه المرحلة العصيبة، لا بل يمكن القول انها تتواطأ مع الكهرباء المقطوعة وتساعدها في حرمانهم النوم والأحلام وساعات الراحة التي صادرها آب اللهّاب بموافقة ضمنية من أهل الحكم ومستشاريهم وجمهورهم.
فالاختناق التام بدأ يصل الى كل بيت لبناني دون التمييز بين طائفة وأخرى او حزب وآخر، ما يضع الجميع من دون استثناء في دائرة واحدة من السوداوية واللاأفق تتجلى معالمها في طوابير الاذلال والرضوخ وعدم القدرة على التغيير المنتشرة أمام كل مرفأ حيويّ لبناني.
وبعيدا عن علامات الاستفهام التي تطرح حول سلوك المواطن، الذي على ما يبدو يسير في القطار المرسوم له دون انتفاض اواعتراض، لا بل بقبول تام تؤكده مجريات الحياة اليومية اللبنانية،
وبعيدا ايضا عن القراءات السياسية التي تؤكد ارتباط احداث الداخل بمجريات الخارج، فتشير الى ان لا حلّ ممكنا الا بعد انتهاء المفاوضات الاميركية الايرانية وتحديد المرحلة الاقليمية والدولية المقبلة،
بعيدا عن هاتين النقطتين المتعلقتين بالشعب والخارج، لا بد لنا من ان نسأل عن دور القوى السياسية الفاعلة في لبنان، اي عن دور الاحزاب والتيارات المشتركة جميعها في الحكم دون استثناء والتي تسقط عنها جميعها صفة المعارضة لأسباب عديدة يدركها المواطن اللبناني الموالي والمعارض.
فهل من المنطق ان ترمي هذه القوى الكرة في ملعب الشعب معتبرة ان تأقلمه باب فرج لها سيؤدي الى اعادة انتاجها من جديد في الانتخابات النيابية المقبلة ان حصلت في موعدها؟ وهل من المنطق ان تبقى القوى ذاتها مكتوفة الأيدي بانتظار الضوء الأخضر الذي قد لا تفرج عنه الدول الفاعلة اقليميا وعالميا؟
ان الاداء السياسي الحالي لا يؤشر الا لمرض عضال أصاب أهل الحكم والمقررين على الصعد السياسية والاقتصادية في لبنان، وهذا المرض تتشابه عوارضه مع "السادية"، وهي الميل للحصول على اللذة والمتعة عن طريق تعذيب الاخر والتلذذ بعذابه، وهذا ما يفسر العذابات الكثيرة التي يعاني منها اللبناني في الكهرباء والماء والمحروقات والخبز والدواء وحتى الهواء.
امام هذا الواقع المرير، تقول مصادر مطلعة لـ "لبنان 24" ان الازمة لم "تكشّر عن انيابها" بعد، والقلق الحقيقي سيأتي في المرحلة المقبلة، لاسيما اذا تعذرت ولادة الحكومة .
وفي تفصيل هذه المرحلة تقول المصادر عينها، ان التجربة اثبتت عدم رغبة الرئيس المستقيل حسان دياب بتحريك اي ساكن حكومي مهما كثرت الضغوطات والمطالبات، كما اثبتت عدم فعالية المقررات التي يصدرها المجلس الأعلى للدفاع ،وان دغدغت مشاعر البعض، فهي تبقى نوعا من التوصيات لا آلية لها حتى تتمكن من ان تبصر النور.
وأثبتت التجربة ايضا ان المجلس النيابي سيستمر بالاجابة على الرسائل الرئاسية برسائل سياسية مختومة بطابع رئيسه نبيه بري.
وبالتالي سنكون حتما في مرحلة من اللاانتاج على كافة مستويات السلطة، ما يعني عدم القدرة على ايجاد الحلول لأي ملف مهما كان بسيطا أو معقدا، ما سيدفع الى المزيد من التشنج في صفوف المواطنين وما سيزيد حدة الاشتباكات والاشكالات التي لن تصل الى تقاتل عام.
لكن التقاتل والسيناريو الأمني ليسا مستبعدين، فاذا استمر الاختناق على حاله وامتد الى أشهر مقبلة لا بد من انفجار أمني يعيد ترتيب الأمور ويحدد معالم الحقبة الجديدة من تاريخ لبنان عبر مؤتمر دولي اواقليمي او محلي وتحت شكل وهدف لا يمكن التنبؤ بهما من الآن نظرا لدقة الموضوع وخطورة المرحلة، كما لا يمكن التنبؤ بموعده نظرا لارتباطه بعدة عناصر متشابكة ومتفرعة.
اذا، قد يكون اللعب الحالي هو لعب في الوقت الضائع، لكن يمكن لهذا اللعب ان يشكل فرقا ويحدث خرقا اذا ما أراد أحد اللاعبين ان يتحررّ من موقع الدفاع وينتقل الى خط الهجوم الايجابي، والسؤال سيبقى من سيقدم على هذه الخطوة الشعب ام السلطة او الخارج المستفيد من تفكك بلد كان يوما موطنا للنجوم والاحلام والخطط والأهداف؟