يقارب الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بايجابية مطلقة ملف تشكيل الحكومة، وفق قاعدة أساسية حددها منذ اليوم الأول للتكليف وهي التعاون البناء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، انطلاقا من القواعد والاصول الدستورية المعروفة ومقتضيات الوضع الراهن.
ولانه يدرك جيدا حجم الخطورة التي بات يشكلها الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، ومدى الحاجة الى ورشة انقاذية سريعة، قبِل بالمهمة ومستمر فيها، وعلى الاخرين ملاقاة الايجابية التي يبديها والتسهيلات الكثيرة التي اظهرها .
لكن المفارقة أن هناك حتى الساعة من لا يزال يتلطى خلف الابواب الموصدة، معتقدا ان الظرف الراهن يسمح بالمزيد من الالاعيب السياسية ومحاولات التذاكي للاستحصال على ما امكن من "مكاسب حكومية" آنية ولاحقة تحت مسميّات عدة وحسابات حكومية عددية تعطيلية، متناسيا ان الرئيس المكلف يريد لحكومته ان تكون منتجة وفاعلة وتعالج قضايا البلاد والعباد،لا مطية يستخدمها اصحاب الطموحات التي لا تأخذ بالاعتبار سوى المصلحة الشخصية، للعبور منها لتحقيق ما بات صعب المنال .
ومن مهازل الزمن ان يلجأ "بعض المصادر المعروفة" مباشرة، او عبر محللين وسياسيين ومنظّرين، الى اساليب تشبه توقعات البصاّرين لتحديد مواعيد مزعومة لتحرك الرئيس المكلف وزيارته رئيس الجمهورية، متجاهلين حقيقة اساسية وهي ان ميقاتي يتحرك فقط على ايقاع قناعاته الشخصية والوطنية وقراره الذي يحدده بملء ارادته، وفي الموعد الذي يراه هو مناسبا لاستكمال البحث والتشاور مع الرئيس عون في ضوء المعطيات والمستجدات.
اما المفارقة المستجدة في ما تسرّبه هذه "المصادر المعروفة" فهي محاولة ربط موقف الرئيس ميقاتي بمآل قضية استيراد النفط الايراني ومصير ملف الدعم وما سوى ذلك من ملفات ساخنة. ولكن فات هده المصادر ومَنْ يقف وراءها ان الرئيس المكلف، الذي قبل في العامين 2005 و2011 تشكيل حكومتين في اصعب مرحلتين انقساميتين وحافلتين بالتحديات المحلية والخارجية عاشهما لبنان، يدرك مسبقا حجم التحدي الذي ينتظره. ومن هنا فهو يتمسك بالاطار العام الذي حدده لحكومته العتيدة لتكون جلسات مجلس الوزراء منتجة وفاعلة لاتخاذ القرار المناسب لمصلحة البلد، لا ساحة للصراعات التي يتعطل معها القرار، كما حصل سابقا.
في كل الاحوال فان المعطيات تشير الى ان الرئيس المكلف انجز مهمته، وسيستكمل اتصالاته السياسية، وستكون له زيارة لرئيس الجمهورية بعد الاتفاق بينهما على الموعد، وكل ما ضُرب من مواعيد للزيارة واخبار حول "شكل الحكومة وتوزيع الوزراء والحقائب والعقد والحلول والخطوات اللاحقة" مجرد تكهنات وتوقعات ليس الا.
ولمن فاته ان الوطن لا يبنى على قياس طموحاته الشخصية وحساباته الانتخابية، ويمضي في الرهان على "مجد قادم"ولو على حساب الوطن والشعب، نستعير ما قاله " الاخوين رحباني " في مسرحية "ايام فخر الدين" "خليه يكبر... يعلا ويكبر... ومتى علي ومجدو زهّر... بتصير كل يوم تلفحو ريح جديدة... الغيرة... الحسد...البغض... الحقد... والأبراج بالنهاية بتهدّ اللي عمّرها... وبتخلص الرواية".