لا شك بأن الفرنسيين يعانون سياسيا بشكل جدي منذ انخراطهم في الملف اللبناني بعد انفجار مرفأ بيروت، وليس الانزعاج الرئاسي الفرنسي مما قيل انه مسّ بهيبة فرنسا بعد فشلها في حل الازمة السياسية وتلويحها المفرط بالعقوبات، سوى الدليل الابرز على الازمة.
لكن من الواضح ان المخاطر التي قد تطال الفرنسيين او الخسائر التي سيقعون بها في حال فشلت وساطاتهم لحل الازمة، لن تكون مرتبطة فقط بالدور الفرنسي او بالنفوذ، بل بتبعات الازمة اللبنانية، وهذا ما بات واضحا في الاسابيع الماضية.
باتت اللعبة السياسية والكباش الحاصل بين "حزب الله" والاميركيين في لبنان يفوق قدرة باريس على الاحتواء والضبط، فبعد خطوة "حزب الله" استيراد النفط الايراني، بات من الصعب على الفرنسيين الحصول على اي إلتزام سياسي من واشنطن، خصوصا ان الضوء الاخضر لتشكيل الحكومة تطلب جهودا ديبلوماسية مستمرة.
الاهم بالنسبة لباريس انها راغبة بحل سياسي وتشكيل حكومة خلال ايام، وان تكون هي الراعي الجدي لهذا الحل، اذ ان الانخراط الاميركي التدريجي في الساحة اللبنانية عاد مجددا، وسيتكثف في الاسابيع القليلة المقبلة وبالتالي فإن التأثير والدور الفرنسيين سيتراجعان تلقائيا. فمن يضمن لباريس مثلا، ان واشنطن لن تقبل بالانهيار الكامل وما له من تداعيات على اوروبا؟ او انها ستمنع التسلل التركي الى الساحة السنية؟ او انها ستضع فيتو على اي "اجتياح" اقتصادي روسي لابار النفط في المتوسط، لضمان مصالح فرنسا؟
ولعل اخطر ما في الامر، ان تجد باريس نفسها خارج لبنان بالمعنى المجازي للكلمة، ما سيحفز خصومها ومنافسيها الاقليميين على الدخول الجدي الى هذه الساحة وتحديدا الاتراك، علما بأن المخاطر قد تطال الاقتصاد وليس فقط السياسة.
وليس تفصيلا ان تكون العقوبات الاوروبية والفرنسية غير مؤثرة وغير رادعة للسياسيين في لبنان، وهذا الامر يطرح سؤالا جديا عن موقع فرنسا الدولي، وعن موقعها وقدرتها في ساحة مثل لبنان، خصوصا بعدما باتت غير قادرة على " ان تمون" على رئيس الجمهورية المسيحي، كما يقول مصدر ديبلوماسي .
ويختم المصدر" ان الفرنسيين قدموا كل شيء لكي يحققوا نجاحا جديا في لبنان، ولعلهم "تصالحوا" مع "حزب الله" وتعاطوا بواقعية مطلقة من اجل هذا الهدف، لكنهم فشلوا في استغلال زخمهم الاول، وتعاطوا بالعموميات بدل التفاصيل، فسبقتهم الاحداث والتطورات الكبرى التي ترتبط القوى السياسية اللبنانية فيها بشكل او بآخر...