جاءتكم الفرصة على طبق من فضّة فرفضتموها. ماذا تنتظرون بعد؟ البلد ينهار.بالكاد قادر على أن يقف على رجليه. لا شيء معكم سوى كلمات. نسمعها نفرح بها ونأمل الكثير. ولكن الكلام يبقى كلامًا ولا نرى تطبيقًا على أرض الواقع فنتعجب ونتساءل. والأخطر ما في الأمر أن هذا الكلام قيل ويقال أمام وفود أجنبية تزور لبنان للبحث في ما يمكن تقديمه من مساعدات لإنقاذه مما يتخبّط به، ولو بالحدّ الأدنى الممكن لتأمين مستلزمات الإستمرارية.
هذه الوفود تأتي إلى لبنان لترى بأمّ العين ولتشهد على مأساة اللبنانيين ولكي تلمس لمس اليد كيف يعيشون. يلتقي أفرادها المسؤولين ويسمعون منهم كلامًا مغايرًا للواقع الذي عاينوه، لأنهم لم يكتفوا بأن يُنقل إليهم ما يشاهده الآخرون. فـ"الشوفة مش متل الحكي". ما رأه هؤلاء من سلسلة يومية متواصلة مما يتعرّض له اللبنانيون من ذلّ مبرمج وممنهج أدهشهم وأحزنهم. وهذا ما سينقلونه إلى بلدانهم ليسمع العالم ما يعانيه هذا الشعب المعذّب والمبتلي بمسؤولين يعدون ولا يفون بوعودهم.
سمع أفراد هذه الوفود كلامًا إعتبروه مطمئنًا. سمعوا أن الحكومة ستبصر النور أواخر هذا الأسبوع. وسمعوا أيضًا أن معظم العقبات قد ذللت من أمامها. هم سمعوا ونحن أيضًا. هم صدّقوا. أمّا نحن فلا. لأننا بكل بساطة لا نزال متمسكين بمقولة الرئيس نبيه بري، الذي لا ينفك يردد "ما تقول فول حتى يصير بالمكيول". فمن جرّب المجرّب كان عقله مخربًا.
لسنا ندري في هذا المجال إذا كان ما سمعته تلك الوفود من كلام مطمئن وإيجابي هو مجرد صدفة مع تسريبات معروفة المصدر عن إيجابيات تتعلق بالتشكيلة الحكومية من قبل جهات معينة؟
ما المقصود من كل تلك التسريبات التي تنضح بكثير من الأجواء الإيجابية؟
في إعتقاد كثيرين الذين أصبحوا خبراء في التعاطي مع هكذا أنواع من التسريبات أن المقصود منها رمي كرة التعطيل في ملعب الآخرين، وذلك على طريقة "الحقّ عليهم مش علينا"، أو "ما خلّونا نشتغل"، إلى آخر المعزوفة التي أصبحت مموجة لكثرة ما سمعها اللبنانيون.
عندما تبيّن لهذه الوفود أن هناك بونًا شاسعًا بين ما سمعوه من كلام معسول وبين ما شاهدوه من واقع مخالف كلّيًا لهذا الكلام، الذي يُفترض أن يكون مسؤولًا، قال أعضاؤها في قرارة أنفسهم "ما لنا ولهم". أيًّا يكن هدفنا فلن نستطيع أن نكون ملكيين أكثر من الملك نفسه. نحن أتينا إلى لبنان بهدف المساعدة، ولكن ما لمسناه هو أن اللبنانيين، والمقصود المسؤولين اللبنانيين، لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم بأنفسهم للخروج من هذا النفق المظلم.
هذا هو الواقع المزري الذي يعيشه اللبنانيون. وهذا هو التناقض الواضح بين من يأكل العصي وبين من يعدّها. فأيدي اللبنانيين في النار تحترق. أمّا أيدي المسؤولين ففي المياه الباردة... و"على مهلا الحكومة". وقد سمعنا منذ سنين كلامًا مشابهًا. ومذاك بدأنا مسيرة الإنحدار نحو العمق والإرتطام الكبير.
ما يحزن هو أن البلد ينهار أمام أعين المسؤولين وهم لا يزالون يفتشّون عن مصالحهم الشخصية، وعمّا يمكن أن يحقّقوه من مكاسب ومنافع.
صدّقونا نريد أن نكون إيجابيين، ونريد أيضًا أن نرى النصف الملآن من الكأس، وأن نضيء شمعة بدلًا من أن نلعن الظلام، ولكن ما نراه ونسمعه ونشهده يجعلنا نغرق أكثر أكثر في يأسنا وبؤسنا... ولا حياة لمن تنادي. أوقف مزاميرك يا داوود.